قصة قصيرة ( الحب الأخير والندم الأبدي) د. إسراء محمد عبد الوهاب

د إسراء محمد عبد الوهاب قصة قصيرة ( الحب الأخير والندم الأبدي)
د. إسراء محمد عبد الوهاب
يَمُرُّ مُصْطَفَى عَلَى مَهَلٍ بِالطُّرُقَاتِ، وَالدُّمُوعُ مَحْبُوسَةٌ خَلْفَ قُطْبَانِ الأَهْدَابِ. يَتَذَكَّرُ كُلَّ رُكْنٍ شَاهِدٍ عَلَى وُجُودِهِ مَعَهَا، حَتَّى مَنْزِلَهَا القَدِيمَ الَّذِي دَخَلَهُ؛ لَقَدْ تَرَكَتْ لَهَا بَصْمَةً فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا المَدِينَةِ حَتَّى مَنْزِلِهَا. أَتَتَأَلَّمُ مِثْلِي؟ كَمَا أَنَا وَغْدٌ حَقِيرٌ ضَاعَتْ مِنْ يَدِي نَجْمَةٌ تَتَلَأْلَأُ، لَيْسَتْ فِي عَالَمِ النِّسَاءِ فَقَطْ، بَلْ فِي كُلِّ العَوَالِمِ.
رَغْمَ مَشَقَّةِ عَمَلِي كَضَابِطِ مَبَاحِثَ، أَسْتَرِقُ بَعْضَ السَّوَيَاعِ لِأَنْزِلَ بَلْدَتَهَا، أُفَتِّشُ عَنْهَا لَعَلِّي أَرَاهَا، حَتَّى بَعْدَمَا انْتَقَلَتْ إِلَى مُشْفًى آخَرَ نَظَرًا لِكَفَاءَتِهَا المَعْهُودَةِ وَبَيْتٍ جَدِيدٍ. وَضَعْتُ بَصْمَتِي بِهِمَا، أُرَاقِبُهَا عَنْ كَثَبٍ وَلَا أَمَلُّ، حَتَّى تَرَى سَيَّارَتِي بِجَانِبِ طَرِيقٍ لَهَا. تَشْعُرُ بِي قَبْلَ وُصُولِي، تَنْظُرُ لِي بِعُمْقٍ بِعُيُونٍ مَلِيئَةٍ بِحِكَايَاتِ أَلَمٍ سَبَّبْتُهُ لِأَنْقَى مَخْلُوقٍ مِنْ هَذَا الجِنْسِ. كِبْرِيَائُهَا كَأُنْثَى وَثِقَتُهَا، فَتَتَرَجَّلُ سَرِيعًا بَعِيدًا عَنِّي غَيْرَ مُكْتَرِثَةٍ بِي، حَتَّى جَاءَتْ لَحْظَةُ دُخُولِي مَقَرَّ عَمَلِهَا الجَدِيدِ.
فِي وَقْتٍ مُتَأَخِّرٍ مِنَ “النَّبُوتِيجَةِ”، لَا أَعْلَمُ مَدَى رَدِّ فِعْلِهَا. طَرَقْتُ البَابَ، وَكَانَتِ السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ فِي العَمَلِ، وَهِيَ تُسَجِّلُ بَعْضَ المُلَاحَظَاتِ مِنَ المُذَاكَرَةِ وَحَالاتِ اليَوْمِ. بِصَوْتِهَا العَذْبِ الرَّقِيقِ:
ــ تَفَضَّلْ.
وَهِيَ مُنْكَبَّةٌ عَلَى المَكْتَبِ. شَعَرَتْ بِوُجُودِي دُونَ التَّحَدُّثِ. رَفَعَتْ هَامَتَهَا بِكُلِّ ثِقَةٍ، لَكِنْ نَظَرَاتُ عَيْنَيْهَا أَصَابَتْ فُؤَادِي بِأَلَمِهَا الدَّفِينِ.
ــ تَسْمَحِي لِي بِالجُلُوسِ يَا فَاطِمَةُ؟
ــ تُعْنِي دُكْتُورَةُ فَاطِمَةُ، تَفَضَّلْ مُصْطَفَى “بِيكْ”.
ابْتَلَعْتُ رِيقِي وَكُلِّي خَجَلٌ.
ــ مَاذَا تُبْغِي الآنَ؟
ــ فُرْصَةٌ أَخِيرَةٌ.
ابْتَسَمَتْ بِهُدُوءٍ وَثِقَةٍ:
ــ كَمَا يُقَالُ، لَقَدْ نَفِدَ رَصِيدُكُمْ
تَعَجَّبْتُ مِنْ قُوَّتِهَا، لَكِنْ لَيْسَ بِالكَثِيرِ. هِيَ، بِكُلِّ أَزْمَةٍ مَرَّتْ بِهَا مُنْذُ نُعُومَةِ أَظَافِرِهَا، حَتَّى أَتَيْتُ أَنَا وَدَمَّرْتُهَا، عَادَتْ بِإِنْجَازَاتٍ لَمْ أَكُنْ أَتَوَقَّعُ أَنَّهَا بِكُلِّ تِلْكَ القُوَّةِ. أَوْ بِالأَحْرَى، أَعْلَمُ ذَلِكَ عَنْهَا، وَلَكِنْ مَا سَبَّبْتُهُ لَهَا أَوْصَلَهَا إِلَى مَرْحَلَةٍ كَانَتْ رُوحُهَا ذَاهِبَةً إِلَى خَارِقِ البَرِّيَّةِ! تَسَبَّبْتُ لَهَا فِي عَدِيدٍ مِنَ الأَمْرَاضِ البَدَنِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ، وَنُدُوبٍ فِي الرُّوحِ لَا تُشْفَى، لَكِنَّهَا، وَاضِحٌ مِنْ طَرِيقَتِهَا، أَنَّهَا تَعَافَتْ حَقًّا! كَيْفَ ذَلِكَ الأَمْرُ؟
كُلُّ ذَلِكَ وَأَنَا أَتَأَمَّلُهَا تِلْكَ الهَادِئَةَ الرَّقِيقَةَ، جُنُونَهَا الَّذِي لَا يَظْهَرُ إِلَّا مَعِي، أَوْقصة قصيرة ( الحب الأخير

بِطَرِيقَةٍ أَدَقَّ، كَانَ يَظْهَرُ. القَوِيَّةُ وَالسَّنَدُ وَالأَمَانُ. مَهْمَا سَرَدْتُ لَنْ أَسْتَطِيعَ الوَصْفَ، بِاخْتِصَارٍ جَمَعَتْ بَيْنَ العَقْلِ الحَكِيمِ وَالدِّينِ، وَرُوحِهَا النَّقِيَّةِ الشَّفَّافَةِ، مِمَّا زَادَ جَمَالَهَا الأُنْثَوِيَّ الفَاتِنَ، الَّذِي يُسْحِرُكَ مِنْ أَوَّلِ لِقَاءٍ. لَنْ أَنْسَى أَوَّلَ لِقَاءٍ، وَتِلْكَ الصُّدْفَةَ الَّتِي وَقَعَتْ عَيْنِي فِيهَا بِعَيْنِهَا: “أُنْثَى تَجَمَّعَتْ بِهَا كُلُّ نِسَاءِ الأَرْضِ”.
قَاطَعَتْ تَفْكِيرِي:
ــ مَاذَا بَعْدُ؟ لَقَدْ سَمِعْتَ رَدِّي.
ــ فُرْصَةٌ أَخِيرَةٌ، حَتَّى لَوْ أَصْدِقَاءُ فَقَطْ.
لَمْ تَسْتَغْرِقْ وَقْتًا لِلتَّفْكِيرِ:
ــ لَمْ نَصْلُحْ أَصْدِقَاءَ بَعْدَ حُبِّكَ لِي، وَحُبِّي الَّذِي كَانَ لَكَ. أَعْلَمُ أَنِّي أَجْرِي فِي شِرْيَانِ دَمِكَ، سَوْفَ أُعْطِيكَ فُرْصَةً لأُثْبِتَ لَكَ فِيهَا أَنَّكَ سَوْفَ تَهْرُبُ عِنْدَمَا تَظْهَرُ نَرْجِسِيَّتُكَ، وَتَظْلِمُنِي ظُلْمًا بَيِّنًا، وَتَتْرُكُنِي وَاهِمًا.
وَفِي أَوَّلِ وَآخِرِ لِقَاءٍ بَيْنَنَا، كَعَادَتِهَا، كَانَتْ سَاحِرَةً بِكُلِّ شَيْءٍ. بَعْدَ حَدِيثٍ مُطَوَّلٍ، أَخْبَرْتُهَا بِمَا يَحْوِيهِ فُؤَادِي: أَنِّي عَالِقٌ فِي المُنْتَصَفِ، وَالطَّرِيقُ مُوحِشٌ لِلْوُصُولِ إِلَيْهَا. قُلْتُ لَهَا: أَعْطِينِي فُرْصَةً فَقَطْ!
فَابْتَسَمَتْ بِهُدُوءٍ:
ــ قُلْتُ لَكَ سَابِقًا، سَوْفَ أُعْطِيهَا لِسَبَبٍ وَاحِدٍ، لأُرِيكَ أَسَالِيبَكَ المَاكِرَةَ الَّتِي كَانَتْ سَبَبًا فِي ضَيَاعِي.
ــ لَنْ أُفْلِتَكِ مِنْ يَدِي.
تَضْحَكُ فَاطِمَةُ بِسُخْرِيَةٍ:
ــ سَمِعْتُهَا كَثِيرًا مِنْكَ. مَا عَلَيْنَا. أَنَا مُسَافِرَةٌ لِمُنَاسَبَةٍ عَائِلِيَّةٍ. رَجَاءً، تَرَيَّثْ، وَلَا تُحَاوِلْ مُهَاتَفَتِي. فَالعَائِلَةُ لَهَا تَجْتَمِعُ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ كَمْ كَانَ أَهْلُكَ يَعْتَبِرُونَكَ ابْنَهُمُ الثَّالِثَ. بَيْنَمَا الآنَ، لِأَوَّلِ مَرَّةٍ أُخْبِيءُ ذَلِكَ الأَمْرَ؛ لأُثْبِتَ لَكَ مَا تَفْعَلُ.
ــ لَا أَسْمَحُ لَكِ بِالسَّفَرِ.
ــ هَذَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِكَ.
اِسْتَطَاعَتْ إِسْكَاتِي، وَبَيْنَمَا لَمْ أَسْتَطِعْ كَبْحَ جِمَاحِ غَضَبِي، كُنْتُ أُغَارُ عَلَيْهَا حَتَّى مِنْ نَسَمَاتِ الهَوَاءِ الَّتِي تَلْمَسُ خَدَّيْهَا. وَظَهَرَتْ نَرْجِسِيَّتِي.
ــ لَا فَائِدَةَ مِنْكِ.
بِتِلْقَائِيَّتِهَا المَعْهُودَةِ، ذَكَرَتْ تَفَاصِيلَ صَغِيرَةً عَنْ طَرَفٍ ثَالِثٍ، وَأَنَا بَادَلْتُهَا أَطْرَافَ الحَدِيثِ. حَتَّى صُدِمْتُ مِنَ الأَدِلَّةِ وَالبَرَاهِينِ. وَفَاطِمَةُ، كَيْفَ اسْتَطَاعَتِ الكِتْمَانَ؟! تِلْكَ الَّتِي أَسْمَيْتُهَا “الحَيَّةَ”، اسْتَخْدَمَتْ كُلَّ أَلَاعِيبِهَا. حَاوَلْتُ الضَّغْطَ عَلَيْهَا لِسَرْدِ التَّفَاصِيلِ، وَبَيْنَمَا كَعَادَتِهَا تُجِيبُ:
ــ الأَيَّامُ سَوْفَ تُثْبِتُ لَكَ، وَلَكِنَّنِي أَعْتَقِدُ حِينَئِذٍ قَدْ يَكُونُ فَاتَ الأَوَانُ.
رَحَلَتْ، وَدُمُوعُهَا مَحْبُوسَةٌ. تَأَكَّدْتُ حِينَئِذٍ طِوَالَ جَلْسَتِي أَنَّهَا تَتَصَنَّعُ أَنَّهَا بَاتَتْ لَا تُحِبُّنِي. وَلَكِنْ مِنْ شَفَّافِيَّةِ رُوحِهَا، عُيُونُهَا مِرْآةٌ لِقَلْبِهَا وَرُوحِهَا.
تَرَكَتْنِي وَأَنَا فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِي، مِنْ ذَلِكَ الشَّيْطَانِ الَّذِي أَفْسَدَ كُلَّ شَيْءٍ. أَفْسَدَ المَرْأَةَ الوَحِيدَةَ الَّتِي عَلَّمَتْنِي كَيْفَ يَكُونُ الحُبُّ؟ كَيْفَ تَكُونُ المَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ وَالدِّينُ وَالأَصْلُ الحَقِيقِيُّ؟ وَلَيْسَ الظَّاهِرِيَّ الخَبِيثَ العَفِنَ عَلَى الجَانِبِ.
مَعَ مُحَاوَلَةِ كَبْحِ جِمَاحِ غَيْرَتِي عَلَيْهَا، أَغَارُ عَلَيْهَا حَتَّى مِنْ عَائِلَتِهَا، مِنْ أَقْرَبِ الأَقْرَبِينَ. كِدْتُ أَجُنُّ. كُنْتُ أَبْغِي قَوْلِي لِفَاطِمَةَ أَنَّنِي حَاوَلْتُ التَّأَقْلُمَ مَعَ الحُبِّ المُزَيَّفِ، كَمَا قُلْتَهَا مِرَارًا وَتَكْرَارًا. سَرَدْتُ لَهَا تَفَاصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ بِدِقَّةٍ، وَهِيَ كَانَتْ تَرْفُضُ، وَلَكِنَّنِي كُنْتُ مُصِرًّا عَلَى إِظْهَارِ بَرَاءَتِي.
وَبَيْنَمَا لَا تَعْلَمُ، أَنَّنِي أَفْتِّشُ عَنْهَا فِي كُلِّ بِنْتٍ تُحَدِّثُنِي. صِرْتُ أُحَدِّثُ عَدِيدًا مِنْهُنَّ، نَقِيضَ طِبَاعِي. فَهِيَ المَرْأَةُ الوَحِيدَةُ فِي حَيَاتِي تَمَلَّكَتْ كُلَّ رُوحِي، وَلَكِنَّنِي لَمْ أَجِدْ لِمِثْلِهَا بَدِيلًا.
أَمَّا الأُخْرَى، فَاسْتَطَاعَتْ هِيَ وَحَاشِيَتُهَا الوُقُوعَ فِي مَصِيدَتِهِمُ العَفِنَةِ! وَأَعْلَمُ أَنَّ وَالِدَتِي كَمْ تُحِبُّ فَاطِمَةَ، وَتَتَمَنَّاهَا زَوْجَةً لِي. وَهِيَ كَذَلِكَ، رَغْمَ قِلَّةِ التَّعَامُلِ بَيْنَهُمَا؛ فَقَدْ أَحَبَّتْهَا كَثِيرًا.
وَتَوَقُّعُ فَاطِمَةَ صَحِيحٌ. لَقَدْ ظَلَمْتُهَا أَثْنَاءَ المُنَاسَبَةِ العَائِلِيَّةِ بِالأَدِلَّةِ وَالبَرَاهِينِ حاولت إثبات ألاعيبي. وَكَادَتْ أَنْ تَدْخُلَ فِي صَدْمَةٍ وَيُعَادَ عَلَيْهَا مَرَضُهَا. بَيْنَمَا كَانَتْ الأَقْوَى حِينَئِذٍ.
سَارَعَتْ فِي التَّشَافِي بِطَرِيقَةٍ غَيْرِ عَادِيَّةٍ!
حَتَّى أَتَتْنِي رِسَالَةٌ مِنْهَا تَقُولُ:
ــ عَوْضُ اللهِ كَبِيرٌ، وَقَرِيبًا خُطْبَتِي. وَنَصِيحَةٌ كَمَا أَبْلَغْتُكَ فِي آخِرِ لِقَاءِ، أَنْ يَكُفَّ هَذَا الطَّرَفُ عَنْ تِلْكَ الدِّرَاسَةِ البَحْثِيَّةِ الَّتِي تَفْعَلُهَا طِوَالَ يَوْمِهَا عَلَى الحِسَابِ الرَّسْمِيِّ لِي عَلَى تَطْبِيقِ الفِيسْبُوكِ. أَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ، أَشْفَقُ عَلَيْهَا تَارَةً، وَتَارَةً أُخْرَى أَضْحَكُ. تَعْلَمُ عِلْمَ اليَقِينِ كَمْ تُحِبُّنِي. وَكَمَا أَخْبَرْتَنِي، أَنَّهَا مُسْتَعِدَّةٌ أَنْ تَتَقَبَّلَ أَنَّكَ تَتَكَلَّمُ مَعَ الكَثِيرِ، إِلَّا أَنَا! مَسْكِينَةٌ!!
عَدِيدٌ مِنَ الرِّجَالِ يَتَّخِذُونَ قَرَارًا، يَظَلُّونَ نَادِمِينَ عَلَيْهِ طُولَ العُمْرِ.
أَرْسَلْتُ لَهَا سَرِيعًا:
ــ لَنْ أَسْمَحَ لَكِ أَنْ يَقْتَرِبَ مِنْكِ رَجُلٌ غَيْرِي.
ــ لِي عَائِلَةٌ، وَزَوْجٌ صَالِحٌ بِإِذْنِ اللهِ. وَالحَبِيبُ لَا يُؤْذِي.
ــ لَنْ أُؤْذِيَكِ. سَوْفَ أَعْرِفُ جَيِّدًا، مَاذَا أَفْعَلُ.
ــ هَلْ تَهْدِيدُكَ بِخَطْفِي، الَّذِي كَانَ دَائِمًا، أَنْتَ وَاثِقٌ مِنْهُ؟ حُبُّكَ أَنَانِيٌّ وَمُتَمَلِّكٌ. ظَنَنْتُ أَنَّ اضْطِرَابَكَ صَارَ أَهْدَأَ، بَيْنَمَا هُوَ يَسْتَوْحِشُ بِأَلَاعِيبَ أَكْثَرَ. أَعْلَمُ أَنَّكَ لَنْ تُحِبَّ سِوَايَ، وَسَوْفَ تَذْرِفُ الدُّمُوعَ دَمًا مَكْتُومَةً تَارَةً، وَتَصْرُخُ تَارَةً، وَسَوْفَ تَبِيتُ لَيَالِيَ تَشُمُّ فِيهَا رَائِحَتِي، وَتَتَخَيَّلُ صُورَتِي مَعَ أَيِّ امْرَأَةٍ.
بِنَاءً عَلَى مَا أَخْبَرْتَنِي بِهِ، وَيَقِينِي يُؤَكِّدُ ذَلِكَ. بَيْنَمَا يَا عَزِيزِي، اخْتَرْتَ الوُقُوعَ فِي كَهْفٍ مُظْلِمٍ، وَتَرَكْتَ طَرِيقًا مُنِيرًا مَدَّ لَكَ يَدَ العَوْنِ كَثِيرًا.
أَخِيرًا، اِرْحَلُوا عَنْ حَيَاتِي. كُونُوا أَرْقَى. كَفَاكُمْ سَيِّئَاتٍ جَارِيَةً.
كَتَبَتْ رِسَالَتَهَا، وَأَغْلَقَتْ كُلَّ شَيْءٍ. وَحِينَئِذٍ، أَصَابَنِي العَجْزُ عَنِ التَّفْكِيرِ. ثُمَّ شَعَرْتُ بِنَارٍ تَأْكُلُ رَأْسِي، وَوَصَلْتُ إِلَى حَالَةٍ مِنَ الجُنُونِ المَكْتُومِ.
ــ يَا فَاطِمَةُ، سَوْفَ تَكُونِينَ تَحْتَ عَيْنِي. لَنْ أَمَلَّ. يَا مَنْ زَرَعْتِ وَرْدَةً فِي فُؤَادِي الحَزِينِ لِيَزْرَعَ بُسْتَانًا دَاخِلَ شَرَايِينِ دَمِي؛ لِتُسَاعِدَنِي عَلَى شِفَاءِ رُوحِي.
ــ أُحِبُّكِ يَا فَاطِمَةُ، يَا مَصْدَرَ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ مَعًا. أُحِبُّكِ حَتَّى نِهَايَةِ العُمْرِ. مَهْمَا مَرَرْتُ بِنِسَاءِ فِي حَيَاتِي، لَا مَثِيلَ لَكِ. اِعْتِذَارِي غَيْرُ كَافٍ.
وَكَانَتْ تِلْكَ الجُمْلَةَ الأَخِيرَةَ الَّتِي تَرَكْتُهَا. لَا أَعْلَمُ لِمَ لَا تَفْتَحُهَا وَلَا تَقْرَأُهَا حَتَّى الآن .
قصة قصيرة ( الحب الأخير والندم الأبدي)
د. إسراء محمد عبد الوهاب
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.