لمن نرفع القبعة
لمن نرفع القبعة
أكتوبر 2023 وهدير المدافع وأزيز الطائرات لم يتوقف في غزة الأبية أصوات النحيب لم تعد تسمع ، أنات العجائز والباكين لم تعد تحرك ساكناً .
ألف الجميع مشاهد القتل والجثث وصلوات الجنائز وصلوات الغائب ومشاهد الخراب عبر الشاشات حتى صارت غزة أثراً من بعد عين ، صارت الشهداء أرقاماً نكررها دون أدنى وعى أو معنى فقط تحول الأبرياء الى أرقام .
ثم تدخلت الكبيرة مصر مقاماً وأصلا وتاريخاً وكللت جهودها وجهود من حاولوا المساعدة منذ أول يوم للصراع وتوقف القتال عبر إعلان لهدنة يتم خلالها تبادل للأسرى ويهدأ الوضع .
يوم الإعلان عن تلك الهدنة وهذا الانجاز دوت أصوات الفرحة في القطاع وتلقف الجميع أنفاسه اللاهثة ولسان حالهم يقول ستتوقف أعدد الشهداء والمصابين الى حين وتعالت مسيرات الفرحة بهذا الحدث .
هنا التساؤل الأهم لماذا الفرحة ؟ ربما لكونهم أحياء ولم يكونوا وسط أعداد القتلى والجرحى أو ربما لأنهم سينالون قسطاً من النوم بمليء العينين دون وداع بعضهم البعض قبل النوم على يوم قادم لا يدرون من منهم سيدفن الاخر في الغد أو ربما اعتقدوا بقرب نهاية الازمة والعودة للديار .
سارع السكان في موعد سريان الهدنة الى الشمال باحثين عن منازلهم وأمتعتهم وذكرياتهم عن كدهم وتعبهم الذى بنوه تحت الحصار بكل جهد ، لكن المشهد كان صادماً لهم ومخيباً ، ما لبث هؤلاء البؤساء أن صدموا وبهتت الابتسامات وراحت الفرحة .
إنهم لم يجدوا حتى أثار للديار لم يجدوا إلا أكوام الحجارة المتشابكة التى حتى لا تحدد أماكن بعينها فقط أطلال مبعثرة ، لم يدركوا هذا الحجم من الدمار ولا أريدك أن تستغرب صدمتهم .
هم لا يملكون شاشات تليفزيونية وتحليلات إخبارية توضح لهم ما حدث مثلك لانهم ببساطة لا يملكون الشاشات أصلاً ولا الكهرباء ولا التلفاز ولا الإعلام ، فقط روايات متناقلة عن الدمار منذ تركوا الشمال .
ذهبت فرحتهم وعادوا الى معسكرات النزوح يجرون أذيال الخيبة وفى أنفسهم سؤال يتكرر كم يحتاج القطاع من السنين لكى يعود فقط الى ما كان عليه
وهذا إن توقف القتال بعد الهدنة ولم تتزرع تلك الدولة بأي سبب واستأنفت القتال من جديد .
في وسط هذا الجو المتضارب المشاعر بين الفرحة والحزن خرجت علينا أناس يحملون رايات النصر . وهنا أسال.
أي نصر ؟ ومن أنتم؟
_هل أنتم من أشعل نار لم يستطع إخمادها ولا الصمود أمامها ؟
_هل أنتم من كان السبب فى استشهاد اكثر من سته واربعون الف وجرح الالاف بسوء تقديركم للموقف ، وعلى ماذا تفرحون ؟
_هل بالنجاة و ببقائكم أحياء ؟
أم بوهمكم أنكم ستعودون لتملكوا مصائر الشعب المسكين من جديد في القطاع لتقدموه على مذبح الشعارات الفارغة على طبق من فضة وهم عزل لعدو جاهز بكامل عدته .
لقد خذلتم شعبكم فانصرفوا عنه عله ينساكم . انصرفوا عنه لعلهم يبدأوون فى حصر المفقودين ومعرفة من فقدوا بالتحديد .
الكل يأمل في أن يجد الغائب في مكان أخر .انتم لا تعلمون ايها المتغطرسون المدعون أن اصحاب الارض حتى الان لم يحصوا على وجهه الدقة أعداد الشهداء والمفقودين.
مازال بعضهم يعيش على الامل في ان يجد أحبته هنا أو هناك حين تعود الاتصالات ويجتمع الشمل .
ستكون هناك مآتم كثيرة رغم ان الدموع تحجرت في العيون من كثرة الشهداء ومناظر الدماء والدمار .
فى الحقيقة لا أستطيع أن أحيي صمود تلك الفصائل . لانهم في الحقيقة لم يصمدوا وإنما اختبأوا وسط الأبرياء حتى آخر امرأة وأخر طفل وأخر عجوز حتى تدخل العالم وأوقف الحرب مؤقتاً .
علام خروجكم بأعلام النصر وأين النصر أصلاً ، إذا كنتم تعتبرون أن توقف المجازر نصراً فبئس النصر نصركم .ماهى خططكم ايها المدعون في إعادة ما فقده الشعب المكافح.
_الإجابة لا شيء . نعم لا شئ فقط سنستجدى العالم ليتبرع لذلك الشعب المسكين من أجل أن يحيا من جديد . فما دوركم ؟
سيكون استجداء ومتاجرة بألم الشعب للمرة الثانية وللحصول على أكبر مكاسب لإعادة إعمار القطاع وطبعا تحت إشرافكم .
في الحقيقة لا أستطيع أن أرفع القبعات لكم فلم تفعوا شيئاً غير سوء التقدير وجلب الخراب ثم الاستعراض وطلب المكافئة على ما فعلتموه فى القطاع وستعترضون إذا قامت جهة غيركم بإدارة ملف إعادة الإعمار ، لنا فى ذلك تجارب سابقة . وكأنها مكافئة نصركم .
ولكنني أرفع القبعة لذلك المارد الفلسطيني الشامخ الذى أحييه من كل قلبي ذلك الشعب الصامد الأبي الذى قدم للعالم درساً فى كيفية الصمود والتجلد.
فى قمة مصابه وألمه تلاحم الجميع وحمل بعضهم أجساد الشهداء وتشاركوا البحث عن المفقودين ، تشاركوا الامل والعمل ، تشاركوا بقايا الطعام وبقايا كسرات الخبز وبقايا المياه .
حمى بعضهم أعراض بعض تصبرت النساء وصبرت رجالها , فى مشهد سيدرسه العالم فى مدارس اللحمة الوطنية لمن القى السمع وهو شهيد .
الشعب الفلسطيني هو فقط من يستحق رفع القبعات وليس تلك الفصائل هم فقط من صبر وتحمل آن له أن يقرر من سيكمل معه الطريق وآن لهؤلاء أن يتركوا الساحة للشعب الصابر المحتسب أن يقرر مصيره .
أغربوا عن المشهد فلم يعد لكم مكان لا فى القلوب ولا فى الشارع ولا فى الاروقة دعونا ننسى وجودكم ونرمم ما تبقى من نفسية الاطفال والامهات والثكلى وارحلوا فلم تعد فلسطين تحتمل وجودكم ولا أعلامكم ولا نصركم المزعوم .
لمن نرفع القبعة
بقلم أحمد الجرف
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.