
الأب والزوج العاق: “حين تكون القسوة عنوانًا للحياة”
الأسرة هي اللبنة الأساسية فى بناء المجتمع وهي تقوم على الحب، والإحترام، الرحمة، والمودة بين أفرادها. لكن عندما يتحول الزوج والأب إلى شخص قاسٍ، سليط اللسان، بخيل العاطفة والمال، كلماته أشبه بسياط تلهب النفوس، ولسانه لا يعرف غير الإهانة والتجريح، فإن الحياة الأسرية تتحول إلى عبء ثقيل لا يحتمل. فبدلًا من أن يكون الرجل مصدر الأمان والاحتواء، يصبح مصدر الخوف والألم، مما ينعكس سلبًا على الزوجة والأبناء، بل ويمتد أثره إلى المجتمع بأسره.
يعتقد بعض الرجال أن القوامة تعني التسلط والتجبر، فيتعاملون مع زوجاتهم وأبنائهم بفظاظة وقسوة، غير مدركين أن القوامة تكليف وليست تشريفًا، وهي مسؤولية قائمة على العدل والرحمة، لا على الإهانة والتحكم. قال تعالى:
“الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ” (النساء: 34).
لكن هذه القوامة مشروطة بحسن المعاشرة والرفق، فقد أمر الله الرجال بمعاملة زوجاتهم بالمعروف… فقال:
“وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ” (النساء: 19).
أما الرجل الذي يرى القسوة وسيلة للتعبير عن رجولته، فهو بعيد كل البعد عن تعاليم الإسلام، لأن النبي ﷺ كان أرقّ الناس بزوجاته، بل قال:
“خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي” (رواه الترمذي).
ومن الصفات التي قد تجعل الحياة الزوجية تعيسة هو بُخل الرجل، سواء كان بخلًا في المشاعر أو في المال. فالرجل الذي يبخل على زوجته وأولاده بالحب والاحتواء، لا كلمة طيبة، والا لمسة حنان، والا دعم نفسي أو عاطفى، أو يظن أن التعبير عن المشاعر ضعف، هو رجل لم يدرك أن الحب هو أساس بناء البيوت السعيدة. وقد كان النبي ﷺ يُعلن حبه لزوجاته دون خجل، فقال عن السيدة خديجة رضي الله عنها:
“إني قد رُزِقْتُ حُبَّهَا” (رواه مسلم).
أما البخل المادي، فهو صورة أخرى من الظلم، خاصة إذا امتلك الرجل المال لكنه يحرم أسرته منه، متجاهلًا أن الإنفاق على الأهل من أعظم القربات، وكأنه ينفق المال على غرباء وليس على أسرتة التى تستحق منه الرعاية والأهتمام وأن النبي ﷺ قال:
“كَفَى بالمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ” (رواه أبو داود).
فكيف لرجل أن يدّعي المسؤولية وهو يحرم أسرته من حقوقهم الأساسية؟
وأيضًا… الرجل الذي يسيء معاملة زوجته وأبنائه بالكلمات القاسية والتجاهل، لا يدرك أنه يُدمر أسرته من الداخل. فالكلمة الجارحة قد تترك أثرًا لا يُمحى، والتجاهل قد يكون أقسى من أي إساءة مباشرة، والمعاملة الجافة تُنتج جيلًا يعاني من الاضطراب النفسي والاجتماعي. الأبناء الذين ينشأون في بيئة يغيب عنها الحب والاحترام غالبًا ما يصبحون إما ضعفاء خائفين أو أشخاصًا يعيدون إنتاج نفس السلوك القاسي في حياتهم لاحقًا.
الزوجة التي تعيش في بيت يفتقر للحب والاحترام تعاني من الإحباط والانكسار النفسي، وربما تفقد ثقتها بنفسها وتتحول إلى إنسانة تعيش بلا روح. أما الأبناء، فهم الضحايا الحقيقيون، إذ ينشؤون في بيئة غير مستقرة، مما قد يؤثر على مستقبلهم العاطفي والاجتماعي، ويجعلهم يكررون أخطاء آبائهم في حياتهم الزوجية لاحقًا.
الرجولة الحقيقية ليست في رفع الصوت، ولا في التحكم بالأموال، ولا في فرض السيطرة بالقوة، بل في الاحتواء، العدل، والرحمة. وقد ضرب لنا النبي ﷺ أروع الأمثلة في معاملة أهله، فكان يُساعد زوجاته في أعمال البيت، ويمازحهن، ويصبر على أخطائهن، قائلًا:
“ما أكرم النساء إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم” (رواه ابن عساكر).
وختامًا……
الزوج والأب الذي يعتقد أن القسوة والعنف طريقه للسيطرة سيجد نفسه في النهاية وحيدًا، خاسرًا لحب زوجته واحترام أبنائه، وربما يصل به الأمر إلى الندم حين لا ينفع الندم. فهل يستحق هذا العناد أن تتحول البيوت إلى ساحات صراع، بدلًا من أن تكون واحة أمان وسكينة؟
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.