المرأة والطفل

قراءة في قصة ” فريد ” للكاتبة مروة حمدي

بقلم/ رمضان محمد

قراءة في قصة ” فريد ” للكاتبة مروة حمدي

 

في عالمٍ تتنازع فيه الأصوات وتخفت فيه همسات الطفولة، تنبثق قصة “فريد” للمبدعة مروة حمدي كنافذةٍ مشرعة على عالمٍ مفعم بالحسّ والرمز والضوء. ليست القصة مجرد حكاية تُروى، بل هي تجربة إنسانية تتغلغل في عمق الذات، وتوقظ فينا السؤال الأهم: كيف نحيا إذا عجزنا عن التعبير؟

فريد، الطفل الذي اختارته الكاتبة ليتصدّر المشهد السردي، ليس اسماً عابرًا ولا شخصية عادية، بل هو مرآةٌ لكل طفل يحيا في داخله شعور العزلة ويصارع في صمتٍ ما لا يُقال. هو تمثيل رمزيّ للطفولة المعاصرة، تلك التي ضاعت بين ضجيج العالم الخارجي وصراخ الداخل الباحث عن معنى. وبين هذا الصمت الداخلي وذلك الجفاء الخارجي، يظهر الصندوق، صندوق الألوان، لا كأداة رسم، بل كوسيلة للعبور، مفتاح يفتح بوابات الروح، وسُلّم يصل الطفل بعالمه المخبأ.

الألوان هنا ليست صامتة، بل ناطقة بأحوال القلب، كل لون يعيد لفريد قطعة مفقودة من ذاته وفي هذه اللحظة، لا يعود التلوين فعلًا طفوليًا، بل يصبح طقسًا من طقوس البوح، وحوارًا خفيًا بين الداخل العاجز عن الكلام، والخارج المتعطش للفهم.

قراءة في قصة " فريد " للكاتبة مروة حمدي

القصة تُبنى بسرد بصريّ مدهش، حيث لا نكتفي بسماع الكلمات بل نراها مرسومة كأنها تنبض على صفحة بيضاء. تتدرج الأحداث من سكونٍ نفسي إلى انفتاح روحي، من انكماش إلى انبثاق، حيث تكون لحظة الإمساك بالفرشاة لحظة ولادة جديدة. واللافت أن القصة لا تسير بخط زمني تقليدي، بل تتبع إيقاع الشعور، وتخضع لحساسية التجربة لا لتتابع السرد.

فريد ليس مجرد طفل في قصة، بل هو حالة إنسانية، رمز للطفل الكامن فينا، ذلك الذي كممته الحياة، وسرق منه ضوء التعبير. أما الصندوق، فلا بدّ أن نقرأه بعيون الداخل، فهو ليس مجرد غرض في النص، بل كيان رمزيّ، يوحي بالأمل، ويعلن أن الفنّ قادر على إعادة تشكيل العالم.

ما تصنعه مروة حمدي في هذه القصة يُعد أكثر من كتابة؛ إنها ترسم، ولكن بالكلمات، وتنحت بالأحاسيس. تمنح للصمت صوتًا، وللحيرة اتساعًا، وتجعلنا نُدرك أن كثيرًا مما يعجز اللسان عن قوله، تستطيع الألوان أن تبوح به.

إنها قصة عن الطفولة، نعم، ولكنها أيضًا عن الإنسان في جوهره، عن الحاجة إلى وسيلة ناطقة حين تُصاب اللغة بالعجز.

وفي نهاية القراءة، نسأل أنفسنا: كم فريدًا في عالمنا لم يجد بعد صندوق ألوانه؟ وكم منا لا يزال يبحث عن لغة تُشبهه.

 

قراءة في قصة ” فريد ” للكاتبة مروة حمدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى