أخلاق المرء بين الطبع والتطبع

كتبت / راندا حافظ
الحمد لله المبدىء المعيد ، الفعَّال لما يريد ، الذى أحصى كل شىءٍ عددا ، وهو على كل شىءٍ شهيد . وبعد ،
من المعلوم لدينا أن الطبع منه ما هو فطرى،ومنه ما هو مُكتَسب ، أما التطبع فهو شىء مُكتَسَب أى أنه يكتسبه الإنسان من المجتمع والبيئة المحيطة به ، ومحور حديثنا فى هذا المقال الإجابة على السؤال التالى : هل يمكن تغيير الطبع بالتطبع ؟ أم أنه كما يُقال الطبع يغلب التطبع ؟؟
يُقال إن الطبع إذا كان فى الأخلاق كان من الصعب زواله فلا يستطيع الإنسان تغيير فطرته بسهوله ،و يُسر ، ويحضرنى فى ذلك قصة المرأة العجوز التى وجدت ذئب رضيع قد ماتت امه فأشفقت عليه و كانت لديها شاة تعيش من حليبها فأخذت ذلك الذئب الرضيع و غذَّته من شاتها وبعدما كبر الذئب وكانت العجوز خارج منزلها وعندما عادت وجدت الذئب يأكل فى تلك الشاة فنظرت إليه العجوز وقالت :
إذا كانت الطباع طباع سوء ..
فلا أدب يفيد ولا حليب
بقرت بشويهتى وفجعت قلبى ..
و أنت لشاتنا ولدُ ربيب
غُذِّيت بدرها و تربيت فينا .. فمن أنباك أن أباك ديب .
والقصص فى ذلك كثيرة ولكن رغم كل هذا نقول أنه يمكن للإنسان تغيير الطباع السيئة بالصبر والمصابرة والجِد و الإجتهاد و يأتى بعد ذلك التغيير مصداقاً لقول الله تعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)
وقال الشيخ السعدى رحمه الله فى تفسير ذلك بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر، ومن الطاعة إلى المعصية، أو من شكر نعم الله إلى البطر بها، فيسلُبُهم الله عند ذلك إياها، وكذلك إذا غير العباد ما بأنفسهم من المعصية، فانتقلوا إلى طاعة الله؛ غيَّر الله عليهم ما كانوا فيه من الشقاء إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة.
ولا يأتى ذلك إلا بأن يكون للإنسان الرغبة القوية فى التغيير من داخله ، ويقوم بأصعب أنواع الجهاد ألا وهو جهاد النفس التى غالباً ما تأمر الإنسان بالسوء وذلك مصداقاً لقوله تعالى { إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ }- وقيل فى تفسير ذلك أي أنها : لكثيرة الأمر لصاحبها بالسوء،- أي: الفاحشة، وسائرالذنوب، فإنها مركب الشيطان، ومنها يدخل على الإنسان.
ولذا وجَّه النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الدعاء للثبات على الخير والصلاح؛ من أخلاق وطِباع، وغير ذلك من أمور الخير والصلاح، وكذلك بملازمة الدعاء بأن الله يصرف عنه السوء في القول والفعل، من أخلاق وطباع، غير جيدة، وغير حميدة.
فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا مُقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك، فقلت: يا رسول الله، ما أكثر دعاءك: يا مقلب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك؟ قال: يا أم سلمة، إنه ليس آدميٌّ إلا وقلبه بين أُصْبُعين من أصابع الله، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ))؛ [رواه الترمذي، وقال الألباني: صحيح].
وقد روى أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، فقد اشتمل هذا الحديث على :
أن بذل الجهد في تحصيل العلم والحرص عليه وسيلة مضمونة لحصوله، فبالتعلم يُنال العلم. والتعلم: هو إتعاب الجسد، والعزم الصادق، وإخلاص النية، فإذا اجتمعت هذه الأمور الثلاثة تحقق بها المراد قطعًا،
ولذلك يقول الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين: «لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حسنوا أخلاقكم».
أما التطبع فهو التخَّلق بخُلُق ما لم يكن فى السابق من سمات الفرد أو من ملامح شخصيته وقد يكون هذا الخُلُق المكتسب جيد أو لا .
وعليه نقول أن المقولة التى تقول أن ( الطبع يغلب التطبع ) تلك مقولة خاطئة،وإن كان الطبع بالفعل يغلب التطبع ما كانت الجنة والنار وما كان الثواب والعقاب . ومن هنا نصل إلى حقيقة أن الطبع يغلب التطبع فقط لمن لا يسعى
وأختم بحديث النبى صلى الله عليه وسلم
(ألا أخبركم بأحبكم إلى الله وأقربكم منى مجلسا يوم القيامة قالوا بلى يا رسول الله قال أحسنكم أخلاقا )
ولكى نستقر فى هذا المكان وهذه المكانة العالية علينا أن نسعى إلى تطبيع أنفسنا .