مقالات ووجهات نظر

من أجل امتحان.. خسرنا إنسان!

من أجل امتحان.. خسرنا إنسان!

 بقلم: محمود السيد محمد

          في كل عام، تتكرر المأساة، ونسمع عن زهره من زهور هذا الجيل تذبل قبل أوانها، ضحية لضغوط نفسيه لا تُحتمل، وأحلام مفروضه لا تُطاق. ومؤخرًا، ودّعنا فتاة في الصف الثالث الثانوي، لم تحتمل ثقل التوقعات ولا قسوة الكلمات، فانتحرت بحبة الغله القاتله، حادثة تهز القلب، وتدفعنا لنسأل: إلى متى نظل نُحمّل أبناءنا ما لا يطيقون؟

         ما حدث مع هذه الطالبه ليس حاله شاذه أو نادره، بل تتكرر كل عام، وهي نتيجة طبيعية لثقافة مجتمع يزرع في أبنائه منذ الصغر أن الثانويه والمجموع العالي وكليات قمه وقاع، وبالمناسبه مثل هذه القناعات لا تجدها إلا في دول العالم الثالث والمجتمعات المتخلفه، إن من لم يحقق مجموعًا  مرتفعًا فقد فشل في حياته كلها!!
“لا مجال للخطأ” لا وقت للراحة”، “إن لم تنجح، فلا قيمة لك” هذه العبارات تتكرر في البيوت، في المدارس، وحتى على صفحات مواقع التواصل، لتصنع ضغطًا نفسيًا رهيبًا على الطلاب.

          لقد تحوّلت الثانوية العامة، بفعل بعض الأُسر، إلى “عقيدة جديدة”. جنة يدخلها من يحقق المجموع المطلوب، ونار يُلقى فيها من يتعثّر أو يفشل. صار البيت محكمة، والأب والأم قاضيين، والطالب في قفص الاتهام، تُوجّه له تهمة “التقصير”، ويحكم عليه بالعقاب النفسي أو التوبيخ أو المقارنة القاتلة.

      قبل أن يسأل الأب ابنه: “هل ذاكرت؟”، لماذا لا يسأله: “هل صليت؟”، “هل أكلت؟”، “هل أنت بخير نفسيًا؟”، “هل تحتاج حضنًا أو كلمة طيبة؟”.
وقبل أن تسأل الأم ابنته

 

        وقبل أن تسأل الأم ابنتها: “كم درجة حصلتِ؟”، لماذا لا تسألها: “هل نمتي جيدًا؟”، “هل ارتحتِ؟

         نعم، نحن بحاجة لإعادة ترتيب الأولويات. فالدعم النفسي والتمسك بالدين لا يقل أهميه عن الدروس الخصوصيه، وربما هو ما ينقذ روحًا من الانهيار أو الانتحار.
نحن يا سيدي أمام مشكلة متجذرة، لا تخص طالبًا واحدًا فقط، بل منظومة كامله..

          الأهل الذين يحمّلون أبناءهم أحلامهم المؤجلة وطموحاتهم الشخصية.
المدارس التي تركز على الدرجات وتتناسى بناء الشخصية.
المجتمع الذي يقيس قيمة الإنسان بما يحققه من نتائج، لا بما يحمله من مبادئ وقدرات.

        الثانوية العامة مرحلة مهمة، نعم، لكنها ليست نهاية العالم. فالنجاح الحقيقي لا يُقاس بورقة امتحان، بل بالقدره على مواجهة الفشل، والتعلم منه، والمضي قدمًا.

           إلى كل طالب وطالبه: أنتم لستم مجرد أرقام، أنتم أرواح جميله، قادره على تحقيق الكثير، حتى لو لم يحالفكم الحظ اليوم..
وإلى كل أب وأم: أحبوا أبناءكم لما هم عليه، لا لما تتمنونه منهم
لنحمِ أبناءنا من أن يتحول طموحنا إلى سيفٍ مسلّط على رقابهم. فحياة الإنسان أغلى من أي نتيجة، وأثمن من أي شهادة.

من أجل امتحان.. خسرنا إنسان!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى