
حدث في مثل هذا اليوم
حدث في مثل هذا اليوم
حدث في مثل هذا اليوم“نووية في الأعماق” العالم يستفيق على صوت أول غواصة ذرّية تُغيّر التاريخ في مثل هذا اليوم، الرابع عشر من يونيو،
يتجدد الحديث عن لحظة فاصلة في التاريخ العسكري الحديث. إنها الذكرى السنوية لتدشين أول غواصة تعمل بالطاقة النووية في العالم، وهي الغواصة الأمريكية يو إس إس نوتيلوس (USS Nautilus)،
التي لم تكن مجرد ابتكار هندسي، بل كانت إعلانًا صريحًا عن تحول جذري في مفهوم الحرب البحرية والردع العسكري الاستراتيجي.
الغواصة التي خرجت للنور في خمسينيات القرن العشرين، وضعت الأساس لقوى بحرية حديثة تقوم على التفوق الصامت والدائم تحت سطح البحر.
خلفية تاريخية
قبل دخول الطاقة النووية إلى عالم الغواصات، كانت الغواصات التقليدية تعتمد على محركات ديزل وكهرباء تتطلب التزود المستمر بالهواء والوقود،
مما أجبرها على الصعود المتكرر إلى السطح، ففقدت بذلك ميزتها الأهم: التخفي. ولكن منذ الحرب العالمية الثانية، بدأت الولايات المتحدة وألمانيا في البحث عن وسائل لإطالة فترة بقاء الغواصات تحت الماء دون الحاجة إلى الصعود.
تسارعت الأبحاث بعد انتهاء الحرب، وفي أوائل الخمسينيات بدأ التعاون بين البحرية الأمريكية ومختبرات أبحاث الطاقة الذرية لتطوير مفاعل صغير وآمن يمكن تركيبه على متن غواصة. وبحلول عام 1954، أصبح الحلم حقيقة.
لحظة التدشين
تم تدشين الغواصة يو إس إس نوتيلوس رسميًا يوم 21 يناير 1954، في حفل كبير أُقيم في أحواض بناء السفن التابعة لشركة جنرال دايناميكس بمدينة غروتون بولاية كونيتيكت الأمريكية.
حضر التدشين عدد من كبار المسؤولين، وكانت السيدة “مامي أيزنهاور”، زوجة الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور، هي من قامت بكسر زجاجة الشمبانيا التقليدية على مقدمة الغواصة، إيذانًا بولادتها.
إلا أن الرحلة الأولى الحقيقية والغوص الكامل تحت الماء بدأ في يونيو 1954، وهو التاريخ الذي يُعد البداية الفعلية للغواصة في الخدمة، وبالتالي يمثل هذا اليوم من يونيو ذكرى هامة في التاريخ العسكري.
القدرات التقنية والتكتيكية
تميزت USS Nautilus بعدة تقنيات سبقت عصرها، منها:
مفاعل نووي مائي مضغوط (PWR) طورته لجنة الطاقة الذرية الأمريكية، يمكنه توفير طاقة هائلة لمدة تتجاوز العامين دون الحاجة لإعادة التزود بالوقود.
مدى غير محدود نظريًا، حيث كان بإمكان الغواصة التحرك آلاف الكيلومترات دون توقف.
سرعة عالية نسبيًا تحت الماء تجاوزت 20 عقدة، أي ما يقرب من 37 كيلومترًا في الساعة، وهو رقم ضخم في ذلك الوقت.
القدرة على البقاء تحت الماء لأسابيع متواصلة دون الحاجة للصعود، ما منحها ميزة استراتيجية كبيرة في التخفي والاقتراب من سواحل العدو دون اكتشافها.
المهام التاريخية
أهم مهمة نفذتها الغواصة USS Nautilus كانت في أغسطس 1958، حين أصبحت أول غواصة في التاريخ تعبر القطب الشمالي من أسفله، ضمن العملية السرّية المعروفة باسم “Operation Sunshine”.
حدث في مثل هذا اليوم
انطلقت الغواصة من بحر بيرنغ، ثم عبرت تحت الجليد القطبي، وخرجت إلى المحيط الأطلسي، مسجلة بذلك إنجازًا جغرافيًا وتقنيًا غير مسبوق، ورسالة سياسية قوية للاتحاد السوفييتي في ذروة الحرب الباردة.
التأثير العسكري والاستراتيجي
لم تكن نوتيلوس مجرد غواصة، بل كانت إعلانًا عن بدء عصر جديد من التوازنات العسكرية. بعد دخول الغواصات النووية إلى الخدمة، أصبحت تمثل العمود الثالث لما يُعرف بـ”ثالوث الردع النووي”، إلى جانب الصواريخ العابرة للقارات والقاذفات الاستراتيجية.
أبرز التحولات التي أحدثتها:
تحوّلت المعارك البحرية من سطح البحر إلى أعماقه، مع تصاعد أهمية الحرب تحت الماء.
أصبحت كل من روسيا، بريطانيا، فرنسا، والصين تسابق الزمن لتطوير غواصات نووية خاصة بها.
دخلت الولايات المتحدة مرحلة جديدة من الهيمنة البحرية، حيث يمكنها الآن نشر قوات دائمة غير مرئية حول العالم.
نهاية الخدمة والتحوّل إلى رمز
بعد خدمة استمرت 26 عامًا، خرجت USS Nautilus من الخدمة في 3 مارس 1980. إلا أن أهميتها التاريخية جعلتها تُحوَّل إلى متحف وطني بمدينة غروتون في ولاية كونيتيكت، وتم افتتاحها للجمهور عام 1986.
يستقبل المتحف اليوم مئات الآلاف من الزوار سنويًا، حيث يمكنهم الدخول إلى قلب الغواصة، ورؤية المعدات الأصلية، والمفاعل، وغرف الإبحار، مما يمنحهم لمحة واقعية عن أولى خطوات القوة النووية في البحر.
في ذكرى هذا اليوم التاريخي، نتوقف لنتأمل كيف يمكن لاختراع واحد أن يغيّر مجرى التاريخ، ليس فقط عسكريًا، بل أيضًا استراتيجيًا وسياسيًا. تدشين الغواصة النووية USS Nautilus كان البداية الحقيقية لعصر جديد من الردع النووي، والتفوق الصامت، والهيمنة من الأعماق.
إنه درس خالد في كيف يمكن للعلم والتكنولوجيا أن يشكلا ملامح القوى العالمية، ويعيدان رسم الخرائط الجيوسياسية من تحت سطح الماء.