حوادث وقضايا

أرواح ضاعت بين رفض وظلم

بقلم: رنيم علاء نور الدين

أرواح ضاعت بين رفض وظلم

أرواح ضاعت بين رفض وظلم

بقلم: رنيم علاء نور الدين

الموت ليس فقط لحظة، الموت قصة تُروى، صورة تلاحق الأهل، صدى في الشارع، وأثر عميق في وجدان المجتمع.  في مصر خلال السنوات الماضية، وقعت جرائم قتل بحق فتيات وفتيات شابات لم تكن تخطر في بالهن نهاية مسدودة، لا في الجامعة، ولا في الشارع، ولا حتى في الحلم. هذه القصص ليست عناوين إخبارية فقط…

بل أرواحًا، أسرًا، وجرحًا لا يلتئم بسهولة.

زينة… طفلة بورسعيد التي لم تعد تلعب

في خريف عام 2013، كانت شوارع حي العرب ببورسعيد تعجّ بأصوات الأطفال يلعبون في الفناء، وضحكات الطفلة زينة عرفة ريحان لم تتوقف عن إضاءة المكان. لم تتجاوز زينة الخامسة من عمرها، وكان عالمها كله بسيطًا بين الألعاب والجيران والابتسامات. لكن لحظة واحدة قلبت حياتها وحياة أسرتها إلى مأساة لن تُنسى.

في يومها الأخير، خرجت زينة لتلعب كعادتها، ولم تكن تعرف أن أحد الشباب في العقار سيستدرجها بحجة إظهار كلب جديد لها وإعطائها حلوى. وببراءة الأطفال، صعدت إلى السطح خلفهم. ما حدث بعدها كان فاجعة لم يتوقعها أحد: حاول المتهمان الاعتداء عليها، وعندما صرخت الطفلة، قام أحدهما بوضعها على سور مطل على منور العمارة ثم ألقاها من الطابق الحادي عشر. سقوطها من هذا الارتفاع أدى لوفاتها فورًا، تاركًا دماءها على الأرض ووجوه الأهالي مذهولة من حجم المأساة.

تحركت الأجهزة الأمنية فورًا، وباشرت التحقيقات التي كشفت هوية المتهمين: محمود م. (18 سنة) وعلاء ج. (16 سنة)، وواجهوا تهم الاختطاف، محاولة الاعتداء الجنسي، والقتل العمد. القضية أثارت غضبًا واسعًا في بورسعيد وسائر محافظات مصر، وأصبحت مثالًا مأساويًا على فشل حماية الأطفال من الانتهاكات داخل المنازل والمباني التي يفترض أن تمنحهم الأمان.

أيسل… الطفلة التي فقدت حياتها في البسين

في صيف عام 2023، كانت مدينة البسين تعيش يومها العادي، والطقس الحار لا يمنع الأطفال من اللعب في الحدائق والمناطق المفتوحة. بين هؤلاء الأطفال كانت أيسل محمد علي، طفلة صغيرة لم تتجاوز السابعة، تحب المرح واللعب مع أصدقائها في حينا الصغير.

لكن في ظهر ذلك اليوم، حدث ما لم يكن في الحسبان. أثناء خروج أيسل للعب بالقرب من حمام السباحة العام، اقترب منها شخص معروف بالحي، كانت علاقته بها سطحية ولكن مزعجة بالنسبة لها، إذ حاول مرات سابقة أن يجبرها على مرافقته. لم تفكر الطفلة في الخطر، وكانت تلعب كالمعتاد .

الجار الذي كان يراقب الأطفال عن كثب لاحظ تصرف الشخص الغريب، وحاول التحذير، ولكن أيسل كانت في حركة مستمرة ولم تنتبه. في لحظة قصيرة، استدرجها إلى منطقة مظللة قرب البركة، وهناك وقع الهجوم المميت. الطفلة تعرضت لاعتداء جسدي أدى لسقوطها في المياه، ولم تتمكن من النجاة.

الأحداث تحركت بسرعة: نداءات الأهالي، استدعاء الشرطة، وإنقاذ الطفلة التي كانت على وشك الغرق، لكن للأسف كان الأوان قد فات. تحريات الشرطة كشفت أن المتهم كان يطاردها منذ فترة، وأن الهجوم كان متعمّدًا بعد رفض الطفلة الالتقاء به مرة أخرى.

حادثة أيسل هزّت المدينة كلها، وأثارت موجة من الغضب ضد العنف الموجه للأطفال، وجعلت السلطات تشدد الرقابة حول مناطق اللعب والمسابح العامة.

القضية تركت أثرًا إنسانيًا عميقًا: فقدت أسرة الطفلة أحلامها الصغيرة معها، والجيران والعاملون في المنطقة شعروا بعجز أمام حماية البراءة.

نيرة أشرف… ذبحٌ في وضح النهار أمام بوابة الجامعة

في صباح يوم 20 يونيو 2022، خرجت نيرة أشرف إلى يومٍ كان من المفترض أن يكون عاديًا في حياتها كطالبة في مدينة المنصورة. كانت ترتدي حقيبتها وتقف في طابور الطلاب المنتظرين الحافلة التي ستقلّهم إلى امتحاناتهم النهائية، لا تدري أن هذا اليوم سيثبت في الذاكرة الجماعية للبلاد كأحد أكثر مشاهد العنف فظاعةً بحق امرأة شابة في مصر.

كانت أجواء الجامعة هادئة إلى حدٍ ما ذلك الصباح؛ الطلاب يتبادلون الحديث، والمؤذّن يصدح بالأذان في الخلفية. لكن لحظة هادئة ستتلاشى في ثانية واحدة عندما ظهر محمد عادل زميلها في الدراسة — يتبع نيرة إلى خارج بوابة جامعة المنصورة في الدقهلية، وقد أخرج سكينًا وخطف أنفاسك من وقعته.

ما بدأت كحياة جامعية عادية انتهت أمام بوابة الحرم، حيث لوّح الجاني بسكينٍ حاد، وانهال على نيرة بطعنات متعددة. حاول بعض العاملين وأمن الجامعة والمارة إيقافه، لكن العنف كان سريعًا وقاسيًا… حتى نحرها في وضح النهار أمام أنظار الجميع.

الفيديو الذي سجّله أحد المارة وانتشر بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي لم يكن مجرد تسجيل… كان صدمة حقيقية للمجتمع المصري، لتحوّل شارعًا عاديًا إلى مسرح جريمة هزّت الإنسانية في القلوب.

التحقيقات التي تلت الجريمة أوضحت شيء أكثر قتامة من مجرد لحظة عنف عابرة. النيابة العامة كشفت أن نيرة تعرّضت لمضايقات متكررة من القاتل قبيل وقوع الحادثة، وأنه كان يطاردها منذ فترة ويدفعها نحو علاقة لم تكن راغبة بها. عائلتها ورواد الجامعة أكدوا أمام المحققين أنه حاول الارتباط بها أكثر من مرة، لكنها رفضت، بل وحوّلت رفضها إلى بلاغات رسمية ضده قبل أيام من الحادث.

حين التقط القاتل نيرة خارج بوابة الجامعة، لم تكن مجرد طالبة؛ كانت فتاة لها عائلة، طموحات، أصدقاء… كانت نيرة. وجوده معها في مكانٍ عام، في عزّ النهار، وكان واضحًا أنّ ما قام به لم يكن فعلًا لحظة غضب، بل خطة محكمة للقتل بعد تتبعه لها في حافلة الجامعة نفسها.

التداعيات لم تتوقّف عند لحظة الجريمة فقط؛ فقد أثارت الحادثة ردود فعل غاضبة في مصر وخارجها، وأصبحت رمزًا لجرائم قتل النساء بسبب رفضهن علاقات غير مرغوبة. المحاكم المصرية بدورها أصدرت حكم الإعدام شنقًا في حق المتهم محمد عادل بعد ثبوت التهمة عليه في جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.

سلمى بهجت… حياة انتهت بسبب خلاف عاطفي في الزقازيق

في صباح يوم 15 أغسطس 2023، كانت سلمى بهجت تستعد لبدء يومها المعتاد في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية. كانت سلمى شابة في مقتبل العمر، محبة للحياة وملتزمة بدراستها وعملها، ولم يكن يتخيل أحد أنها ستصبح ضحية لجريمة عنف بشعة بسبب رفضها علاقة عاطفية.

القاتل، شاب كان يعرفها منذ فترة ويحاول أن يفرض عليها علاقة لم ترغب بها، ترافق معها التهديدات والرسائل المتكررة التي أثارت خوفها وأحاطت حياتها بالضغط النفسي. في ذلك اليوم، اقترب منها أمام منزلها وبدأ في التصعيد، محاولًا إجبارها على الموافقة، وعندما رفضت سلمى، فقد سيطرته على نفسه.

ما حصل بعد ذلك كان مأساويًا: انهال عليها بالضرب المبرح، واستخدم سلاحًا أبيض أدى إلى وفاتها في مكان الحادث. المارة الذين شاهدوا المشهد صدموا من وحشية الفعل، واستدعوا الشرطة فورًا. فور وصولهم، انتقلت الأجهزة الأمنية إلى مكان الحادث، وبدأت التحقيقات مع الجيران والشهود، مؤكدة أن القاتل تصرف بدافع الانتقام العاطفي بعد رفض الضحية العلاقة.

تحريات النيابة العامة كشفت أن هذه الجريمة لم تكن الأولى من نوعها في المنطقة، لكنها أثارت موجة غضب واسعة بسبب العنف الموجه ضد النساء بسبب رفض العلاقات غير المرغوبة. أسرة سلمى فقدت ابنتها، والمجتمع كله شعر بالصدمة من هذه النهاية المأساوية لحياة شابة كانت تحلم بمستقبل مليء بالأمل.

بسنت… الضحية الرقمية التي لم تُترك لتعيش

في قلب قرية صغيرة بمحافظة الغربية، كانت فتاة في السابعة عشرة من عمرها، تدعى بسنت خالد، تعيش حياة طبيعية كأي طالبة في سنها. لطالما كانت تحب الدراسة، تحلم بمستقبل مشرق، وكانت قريبة من أسرتها التي تراها زهرة صغيرة مليئة بالحب والبراءة.

لكن ما لم تكن تعرفه بسنت، أن العالم الرقمي الذي يطل عليه كل يوم عبر هاتفها، سيصبح ساحة مطاردة لها، وأن مجرد رفضها لعلاقة شخصية مع أحد الشباب سيصبح سببًا لمأساة غير متوقعة.

في أواخر عام 2021، بدأت الأزمة حين قام بعض المراهقين بنشر صور مفبركة لها على مواقع التواصل الاجتماعي، مزجوا فيها وجهها مع أجساد أخرى، محاولين ابتزازها وإجبارها على الاستجابة لمطالبهم. ما كان يبدو في البداية مجرد مضايقات افتراضية، تحول سريعًا إلى ضغط نفسي هائل على فتاة لم تتجاوز عمرها عشرين سنة، جعلها تشعر بالعجز والخوف.

الجيران لاحظوا تغيرًا في سلوكها خلال الأسابيع الأخيرة، أصبحت منعزلة أكثر، متوترة، تكتم دموعها ولا تشارك أحدًا همومها. الأهل حاولوا مرارًا تهدئتها ومساندتها، لكن قوة الملاحقة الرقمية كانت أقوى من أي حماية منزلية.

في يوم ديسمبر 2021، وجدت بسنت نفسها في مواجهة الألم الأخير. لم تحتمل الإهانة والضغط النفسي المستمر، تناولت قرصًا سامًا وانتهت حياتها قبل أن يكتمل حلمها بالحياة. نقلت الجثة إلى مشرحة مستشفى كفر الزيات، وفتحت النيابة تحقيقًا عاجلًا لتحديد المسؤولين عن الابتزاز الرقمي ونشر الصور.

التحقيقات أظهرت أن خمسة متهمين متورطون في ابتزاز بسنت ونشر الصور المفبركة، وتم إحالتهم إلى محكمة جنايات مصر، في واحدة من القضايا التي سلطت الضوء على مخاطر الابتزاز الرقمي وآثاره النفسية على الشباب والفتيات.

الجيران والطلاب لم ينسوا صرخات بسنت الأخيرة، ولا الرسالة التي تركتها لوالدتها قبل أن تفارق الحياة، مؤكدّة فيها أن الصور مزيفة وليست لها، وأنها بريئة من كل الاتهامات. لم يكن موتها مجرد حدث عابر، بل صرخة للمجتمع كله عن خطورة التحرش الرقمي وكيف يمكن أن يتحول إلى موت حقيقي.

شيماء جمال… المذيعة التي سُلبت حياتها على الهواء الصامت

في عام 2024، كانت شيماء جمال مذيعة شابة ومحبوبة، تعرف بحضورها الهادئ وصوتها الذي يأسر المستمعين والمشاهدين على حد سواء. عملها في التلفزيون كان يمثل حلمها الذي سعت إليه سنوات طويلة، لكنها لم تكن تعلم أن حياتها ستتعرض للخطر خارج الاستوديو.

كانت شيماء على علاقة قصيرة مع أحد الأشخاص الذي لم تتوقع أنه سيصبح تهديدًا لها. بعد انتهاء العلاقة، بدأ المتهم بملاحقتها، وتحوّل الأمر تدريجيًا إلى تهديدات متكررة عبر الهاتف والرسائل، وفي النهاية وصل به الحد إلى التسلل إلى مكان عملها.

في مساء مأساوي، وأثناء مغادرتها الاستوديو، اعترضها المتهم خارج المبنى وانهال عليها بالضرب مستخدمًا سلاحًا أبيض. الموت جاء سريعًا، تاركًا زملاءها ووسط الإعلام في حالة صدمة وذهول. تحركت الشرطة فورًا، وباشرت التحقيقات التي كشفت أن الجريمة كانت نتيجة رفض شيماء العودة لعلاقة مع المتهم بعد انفصالها عنه، وأن القتل كان مدبرًا مسبقًا.

قضية شيماء هزّت الوسط الإعلامي والمجتمع المصري، وفتحت النقاش حول الأمان الشخصي للنساء في الأماكن العامة وأماكن العمل، خاصة بعد الانفصال عن علاقة عاطفية.

أماني… الرصاصة التي أنهت حياة 19 عامًا بسبب رفضها الارتباط

في قرية طوخ طنبشا بمحافظة المنوفية، على ضفاف يومٍ عادي في سبتمبر 2022، كانت أماني عبد الكريم الجزار، الفتاة التي لم تكمل الـ19 عامًا بعد، تمشي أمام منزل أسرتها بعد أن أنهت يومها الدراسي. كانت طالبة بكلية التربية الرياضية، معروفة بين أهل القرية بحضورها الهادئ وطموحها الدراسي، لا تختلف كثيرًا عن أي شابة تطمح لمستقبلٍ أفضل.

لكن تلك اللحظة العابرة عند باب منزلها كانت بداية لـنهاية لا تُنسى

الجاني، أحمد فتحي أميرة (29 سنة)، كان يتقدّم خاطبًا لـأماني قبل موعد الحادث بأيام، فطلب يدها للارتباط والزواج. لم تكن الأماني وحدها من رفضت العرض، بل أسرتها أيضًا أعادت الرفض بسبب سلوكه السيء بحسب الجيران ووسائل الإعلام. غضب المتهم لم يطفأ عند حدود الرفض، بل صار نيرانًا مجهولة تنتظر الفرصة المناسبة.

وفي ظهيرة 4 سبتمبر 2022، عندما غادرت أماني منزلها كالمعتاد، تسلل المتهم خلفها في الشارع. من الخلف، ومع طلقة واحدة من بندقية خرطوش، أصابها في ظهرها قرب البوابة. ارتطمت الرصاصة بجسدها وسقطت أرضًا أمام أعين الجيران والأسرة التي سمع صراخها في لحظةٍ لم تتجاوز ثوانٍ.

تم نقلها فورًا إلى مستشفى بركة السبع المركزي، لكن الإصابة كانت قاتلة، وفارقت الحياة قبل أن تغادر غرفة الاستقبال. المشهد أمام طاقم المستشفى لم يكن مجرد حالة طبية، بل صدمة أمام فتاة كانت بين الحياة والأحلام فقط. .

لم يكتفِ القاتل بذلك… فيما ظهرت تقارير لاحقة للشرطة، انتحر المتهم باستخدام السلاح نفسه الذي قتل أماني به في طريق زراعي بمحافظة المنوفية في اليوم التالي للحادث، تاركًا وراءه جريمة كاملة مزقت حياة شابة وأحرقت أحلام أسرة بأكملها.

الجيران تحدثوا عن اللحظة الأولى بعد الحادث بذهول:

سمعنا صوت إطلاق النار، ونزلنا ولنّا نشوف أماني ملقاه على الأرض… دموع أمها كانت تغطي المكان قبل حتى وصول الإسعاف.”
هكذا عبر أحد الشهود عن اللحظة التي تحوّلت فيها الحياة إلى صمتٍ طويل.

قضية أماني لم تكن مجرد حدثٍ معزول… بل الواقعة الثالثة في أقل من ثلاثة أشهر في مصر تُسجل قتل امرأة بعد رفضها عرض ارتباط أو زواج، بعد ما سبقتها جرائم مشابهة بحق نيرة أشرف وسلمى بهجت، ما جعل اسم أماني يتردد في نقاشات حقوق الإنسان وجرائم العنف ضد النساء في البلاد.

كريمة… العروس التي اختفت بين حلم الحمل والضرب المميت

في صباح رتيب من أحد أيام ديسمبر 2025، لم تكن كريمة محمد صقر تعلم أن أربع شهور فقط من زفافها سيكفيان لإتمام المحبة… ولإطفاء الحياة التي كانت تحاول بناؤها. كريمة، البالغة من العمر حوالي 20 عامًا، كانت قد احتفلت بزواجها في شهر يوليو من نفس العام في قرية ميت برة بمركز قويسنا بمحافظة المنوفية، وسط تحيات الأهل وأحلام بطفل ينمو في أحشائها.

كانت جيدة السمعة في القرية، محبوبة من الجميع، وكان من المنتظر أن تكمل مشوار أسرتها وكأنها صفحة بيضاء في دفتر المستقبل. لكن ما كان مفترضًا أن يكون بداية حياة جديدة، انتهى بمأساة سوداء داخل منزل الزوجية.

في يوم الحادث، سمع الجيران أصوات صراخ قويّة تأتي من داخل بيت الزوجين، وقبل أن يصل أحد، اكتشفوا أن كريمة ملقاة على سرير المنزل بلا حراك، وقد تغيّر وجهها تمامًا… آثار كدمات واضحة على رأسها ورقبتها وأذنيها تشير إلى عنف شديد تعرضت له قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة.

نقلت قوة من مباحث مركز شرطة قويسنا الجثة إلى مشرحة مستشفى شبين الكوم التعليمي لإجراء الفحص الطبي والطب الشرعي، ثم أُخطر ذووها بالخبر المدمّر. أثناء ذلك، ألقي القبض على زوجها “أ.ج” (25 سنة)، الذي يعمل مساعدًا على سيارة نقل، للتحقيق معه في قتل كريمة داخل منزل الزوجية وتم تحرير محضر بالواقعة، وإحالة الأوراق إلى النيابة العامة لإجراء التحقيقات.

من شهادات الجيران اتضح أن الصراع بين الزوجين لم يكن اختفاءً عابرًا، فقد سمعوا اشتباكات في نطاق الأسرة قبل وقوع الحادث، لكنه لم يخطر ببال أحد أن العنف سيتحوّل إلى وفاة شابة كانت منتظرة طفلها الأول

في جنازة كريمة، التي حضرها الأهل والأصدقاء، ظلّت صورها المعلّقة فوق القبور تذكّر الجميع بأن ما كان من المفترض أن يكون فرحًا وزفافاً، تحوّل إلى صرخة حزن ووجع لا يُمحى. والدها قال بمرارة إنه لم يخسر فقط ابنته… بل فقد أيضًا الحلم الذي كانت تحمله بداخلها، مطالبًا بالقصاص العادل في حقها وحق جنينها الذي كان يكبر داخلها.

الطب الشرعي الأولي أظهر للنيابة أن كريمة قُتلت عنفًا داخل مسكن الزوجية، وأن التصعيد في العنف ظهر جليًّا على الجسد قبل الرحيل الأخير.

من طفلة بورسعيد زينة، التي لم تتجاوز سنوات عمرها، إلى بسنت، الضحية الرقمية، مرورًا بشيماء جمال، المذيعة، أماني عبد الكريم، وعروس المنوفية كريمة، امتدت خيوط العنف لتخنق حياة شابات كنّ فقط يحلمن بالغد. كل قصة، كل حياة، كل ضحكة توقفت فجأة أمام عنف لم يرحم، أمام رفض بسيط تحول إلى موت، أمام مطاردة وغضب لم يجد حدودًا.

ما جمع هذه القصص ليس فقط الفقدان، بل العنف الذي ينبع من رفض حرية الاختيار لدى النساء، سواء كان رفض علاقة، رفض طلب زواج، أو حتى مجرد رفض السيطرة الرقمية على حياتهن. كل واحدة من هؤلاء الفتيات لم تطلب أكثر من أن تُترك لتعيش، ولكن المجتمع، والقانون، وأحيانًا من يفترض أن يكونوا الحماية، فشلوا في سد الفجوة التي تركت حياتهن مكشوفة أمام العنف.

الأرقام التي تبدو مجرد إحصاءات في التقرير، تتحول إلى وجوه حقيقية حين تتخيلين ضحكاتهن، أحلامهن، وطموحاتهن التي لم تُستكمل. الجروح ليست فقط جسدية، بل عميقة في المجتمع كله، في ضميرنا الجمعي، وفي كل مكان يُسجَّل فيه عنف ضد المرأة.

هذه القصص تحثنا على السؤال الصعب: كيف نحمي حرية الاختيار، كيف نؤمن حياة النساء، كيف نحوّل صرخاتهن الأخيرة إلى أفعال حقيقية توقف القتل قبل أن يحدث؟ الإجابة ليست سهلة، لكنها تبدأ بالوعي، بالقانون الصارم، وبمساحة آمنة لكل امرأة لتختار وتعيش دون خوف.

في النهاية، هؤلاء النساء لم يرحلن بلا معنى؛ حياتهن أصبحت نداءً للعدالة، للتحرك، وللتغيير. وكل قلم يُسجل قصصهن، وكل تحقيق يُعرض، وكل ضمير يهتز أمام مأساة حقيقية، هو خطوة نحو مجتمع يحمي حياة النساء بدل أن يسلبها.

السؤال الأخير الذي يظل معلقًا:

هل سنتعلم من هذه المآسي، ونبني مجتمعًا يحمي النساء من الموت قبل أن تتحول أي حياة جديدة إلى مأساة لا يمكن إصلاحها؟

أرواح ضاعت بين رفض وظلم

 

 

 

 

 


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading