إحذروا نمل الصناديق
بقلم/ أحمد عبد اللطيف الجرف
تدور بنا الحياة عبر علاقات وتجارب بشرية مختلفة نلتقى أشخاصاً ونهجر ونقرب آخرين بين مستفيد من العلاقة وإنتهازى يحرص أن يستفيد ولا يفيد .
فى الغالب يقرب الشخص (المستفيد \ الانتهازى) من يحتاجه فى توقيت معين لغرض معين بينما يتحرك الأخر فى هذا النوع من العلاقات المتسلقة بنوع من الصدق والبراءة .
إنها العلاقات الإنتهازية من وجهة نظر المستفيد اكثر منها علاقات صحية , فى الكثير من الاحيان يبحث دون وعى عما ينقصنه, ما يحتاجه . ثم يعظم دوره فى حياته حتى يحتل المكانه العالية والشغل الاكثر للأوقات .
فى هذه المرحلة تحديداً تنشأ أحداث و ذكريات مميزة بين الشخص المستفيد والشخص المعطاء من علامات وأحداث هامة وهدايا وبقايا وشواهد ومواقف لن تتكرر مع أى شخص آخر .
هذه الأشياء يتركها الانتهازى حرة حوله ما دامت العلاقة قائمة لتقويها ويشحذ بها الهمم للشخص المعطاء وتأكيد التواصل فهى تذكره دائما بمواقف جميلة وأحداث أجمل.
ثم تفتر العلاقات وتهدأ جذوتها وتبرد ويذهب بريقها وتذوب المصالح المرجوه هنا يسارع الطرف الأكثر ميلاً للفراق والهدم بإنهاء العلاقة بلا مقدمات منطقية .
وبسرعة البرق يضع العلامات والأحداث والهدايا والبقايا والشواهد والمواقف فى صندوق الذكريات دون رحمة أو بر بمشاعر كانت بريئة محترمة واحياناً مقدسة يضعها بعشوائية وإهمال فى البداية و بإستهانة المستغنى والمنزعج المتخلص من أشياء ليست قيمة .
هذا الصندوق يظل فى مكان يراه ذلك الشخص الانتهازى ويتالم وأحيانا يشعر بنشوة القوة على حسم المواقف لمدة تعتمد على أهمية ذلك الشخص فى الماضى فى الغالب مرحلة الصندوق تكون قصيرة للغاية اكثر مما يتخيله الطرف الآخر .
من آن لآخر قد يفتح الصندوق بدافع الحنين لذكرى معينة أو إحتياج معين . ثم يغلق سريعاً . ثم يرتب الصندوق من الداخل هذه المرة بعد أن كان عشوائياً .ثم يفقد بعد هذا الترتيب متعة المفاجئة أثناء البحث بداخله لأن كل شيئ مرتب ومعروف حتى مكانه اصبح ثابتاً .
ثم يظهر الشخص البديل الذى فى الغالب يكون موجوداً من قبل ولكنه لم يكن له نفس الحيز أو الاهمية أو الثقل فى العلاقة وسرعان ما يشتد عوده ويغطى مساحة الفقد المطلوبة هنا يفقد الصندوق أهميته تماماً. لم يعد ما يحتويه يفعل شيئاً .أنه مجرد ذكريات بائدة لا تعنى أى شيئ للشخص الانتهازى. بل أنها اصبحت عبئاً على من يحتفظ بها أصبحت نفاية لعلاقة سابقة قد تصنف بالمزعجة .
وتبدأ مرحلة جديدة مرحلة التخلص من الصندوق والتى تكون صعبة للمرة الاولى و بتكرار العلاقات تكون عملية ديناميكية لا تحمل أية مشاعر بالمره مجرد إجراء روتينى يشبه فى الكثير من الاحيان التخلص من النفاية اليومية فى صناديق القمامة فى الفناء.
بينما يظل الطرف الأخر يظن انه ترك أثراً على الاقل محترما ً من وجهه نظره . إلا أن الحقيقة تقول أنت مجرد صندوق فى فناء مليئ بالنفايات الهشة .
وتمر الايام والسنون وتتكرر العلاقات والصناديق والذكريات وتكثر نفايات العلاقات للشخص الانتهازى ويظن أنه بمهاراته الفائقة قد حاز الدنيا وإنتصر .
ولكن كامل الفناء قد تلوث وبدأ ظهور النمل من صناديق النفايات فى الحقيقة ليس النمل بالمعنى المعروف ولكنه إرث ودين مستحق يرده الله للطرف الضحية حتى يتحقق العدل السماوى المطلق فى صورة إنتقام من أشخاص يراهم الشخص الانتهازى ثقة وهم نمل الانتقام . وما يعلم جنود ربك الا هو .
فى الحقيقة لا يوجد أحد يرغب فى نفايات الصناديق تظل تتراكم وتكبر حتى يخرج منها ذلك النمل ويزحف الى البيت الذى خرج منه . فقط حين يمر العمر ويفقد الشخص الإنتهازى القدرة على الصمود . يهاجم النمل منزله ويأكل جدرانه التى صارت هشة مترهلة .ما أقسى ذلك النمل الذى لا يرحم .
يأكل كل شيئ حتى يصل الى ذلك الذى ظن انه ارتاح من التخلص من كل الذكريات . يداهمه وقت العجز ويبدأ الحساب قبل أن يقضى عليه .حتماً سيقضى علي صاحب الصناديق المتعددة ولكنه قبل ذلك سيحاسبة و يصعقه , و ستلدغه التفاصيل ولكن بعد فوات الأوان .
يتمنى ساعتها النجاة . ولكن هيهات فقد ضاع كل شيئ لم تبقى حتى مقاومة لم يبقى حتى نزع من صبر للتحمل .
النمل لا يرحم صاحب الصناديق . ينهش قلبه بلا رحمة . وبعد أن ينتهى وينهى ذلك القلب يترك ألما لا ينتهى وندامات لا تتوقف ونزيف لا يشفى .
فى النهاية والذى لا يعرفه صاحب الصناديق المتعددة أنه أصبح مجرد ذكرى لدى أحدهم منذ فترة ولكنه كان الأذكى .فقد أغرق الذكريات فى بحر الاحترام فى بحر الادب فى بحر الدروس والعبر .ومضى دون أن يجمعها فى صندوق أو يضعها كنفاية لقد احترمها جدا وكرمها جدا . ولم ولن يأتيه النمل يوما ولكنه سيمر عليه أثناء عودته ليخبره أنه ثأر له من ذلك المستهتر بالمشاعر الصادقة.
لن ينتهى أمر صاحب الصناديق المتعددة بخير وليس قبل أن يفضحه الجميع ويرى حقيقتة سواء القاصى أوالدانى وقبل أن ينال النمل من قلبة وروحه المنهكة إفعل ما شئت كما تدين تدان .
إحذروا نمل الصناديق
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.