مقالات ووجهات نظر
الأقصر: دراسة تاريخية تكشف أسرار مدينة الجبلين المصرية القديمة
تقرير تكتبه ... جيهان الشبلى

الأقصر: دراسة تاريخية تكشف أسرار مدينة الجبلين المصرية القديمة
تُعد منطقة الجبلين الأثرية، غربي مدينة إسنا في جنوب محافظة الأقصر ، أحد أهم المدن بالإقليم الثالث في مصر القديمة، والتي حظيت باهتمام لافت من قبل قدماء المصريين، وهو الاهتمام الذي جعلها واحدة من المراكز المهمة بمصر خلال عصر الدولة القديمة.
وقد كشفت دراسة أكاديمية أعدها الأثري والباحث المصري، الدكتور علي محمد أحمد علي، الكثير من اسرار تلك المدينة الأثرية، ودورها العسكري خلال ما يُعرف بعصر الانتقال الأول في مصر القديمة..
وأوردت الدراسة ما احتفظت به مدينة الجبلين من معالم وآثار في باطن تلالها الأثرية، وهي المعالم التي خرجت للنور على يد البعثات الأثرية الأجنبية والمصرية، التي عملت بالمنطقة منذ العام 1886، أي قبل 135 عاما مضت.. حيث احتوت تلال المنطقة على مدافن لكبار الشخصيات ذات المكانة العالية، كما ازدهرت أهميتها الدينية منذ عصور ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني.
مدن ومعبودات وتناولت الدراسة الأهمية الأثرية لمدن الإقليم الثالث من أقاليم مصر العليا – خلال العصور المصرية القديمة – وأهم مدن الإقليم مثل ” نخن ” و” نخب ” و” إسنا ” والجبلين “.. ومعبودات مدينة الجبلين مثل الآلهة حتحور، والإله سوبك، والإله أنوبيس، وعلاقة تلك المعبودات ببعضها.
كما تناولت مواقع الجبانات ومعبد للملك منتو حتب نب حبت رع ، ومقصورة للإلهة حتحور، والقلعة المشيدة فوق التل الشرقي، وتوثيق لتلك المواقع، وتاريخ عمل البعثات الأثرية المختلفة في المدينة، وطرز المقابر المتعددة، ومواقع النقوش الصخرية.
وقدمت الدراسة نشراً علمياً لسبعة مقابر من مقابر المعروفة بمقابر الصف في المدينة، في اول نشر علمي عن تلك المقابر السبعة.. حيث اتسمت تلك المقابر بضخامة طرازها المعماري، واحتوائها على مقابر دفن جماعية خصصت لكبار الشخصيات.
ورش لصناعة التوابيت المزخرفة
وقال الدكتور على محمد على، إن دراسة تلك المقابر ونقوش بعضها كشفت عن أن مدينة الجبلين الأثرية القديمة، ضمت بين جنباتها ورش عمل محلية لصناعة التوابيت المزخرفة، وورش أخرى لصناعة المنسوجات، بجانب أنها كانت مركزاً هاماً لتصدير الحبوب بأنواعها المختلفة.
وأضاف بأن الدراسة رصدت التطور الذي طرأ على المدينة خلال الحقبات المتخلفة من تاريخ مصر القديمة، وذلك من خلال دراسة الآثار المنقولة والمعروضة بمعظم متاحف العالم، والمتمثلة في اللوحات والتماثيل والنماذج الخشبية.. والمعروضة في متاحف خارج مصر مثل: متحف مدينة تورين الإيطالية، والمتحف البريطاني، بجانب المتحف المصري في ميدان التحرير بالقاهرة، والمخزن المتحفي بمنطقة المعلا الأثرية.. والعديد من الآثار التي تمثلت في اللوحات والتماثيل الحجرية والخشبية وموائد القرابين والأواني الفخارية واللوحات الجنائزية ودراسة النصوص المنقوشة على تلك اللوحات، والتي ساهمت جميعها في تقديم الكثير من الاجابات على كثير من الاستفسارات حول تلك المدينة، وكذلك دراسة لتضاريس المنطقة والمواقع الأثرية الباقية، وضحت أهم الحرف والعادات والتقاليد التي عرفتها مدينة الجبلين قديما.
مقابر ونقوش صخرية
ولفت الباحث إلى أن المواقع الأثرية في مدينة الجبلين، تؤرخ معالمها ونقوشها ورسومها لعصور مختلفة في مصر القديمة، حيث ضمت المدينة على آثار لثلاث جبانات يعود تاريخها لعصور ما قبل الأسرات، والعصور ” النقادية الثلاث ” – حضارة نقادة الأولي والثانية والثالثة – وتقع تلك الجبانات في الجانب الشمالي بالجبل الغربي في المدينة، وقد عُثر فيها على مجموعة من الآثار النادرة.
وفي الجبل الغربي أيضا، توجد مقابر يعود تاريخها إلى الأسرة الخامسة في مصر القديمة، ومقابر صخرية احتوت جدرانها على مناظر كشفت الكثير من التفاصيل التي تؤكد على أهمية المدينة، وما تمتعت به من قوة عسكرية ونشاط حرفي.
وقد تمتعت المدينة بالعديد من مواقع النقوش الصخرية بالجبلين الغربي والشرقي، ومعبد صخري شيدته الملكة حتشبسوت، وقلعة لكبير الكهنة ” من خبر رع ” أبن ” با نجم ” حاكم طيبة خلال الأسرة الحادية والعشرين.
وقد أطلق على المنطقة اسم “مجمع المواقع الآثرية بالجبلين” وذلك لأن الموقع ضم عده مدن أخرى خلال الفترات الزمنية المتعاقبة، وظلت تلك المدن تابعة لمدينة الجبلين خلال فترات طويلة من التاريخ المصرى مثل: مدينة سمينو، ومدينة بر – حتحور، ومدينة إيمترو، والمعلا التي عرفت قديما باسم Nxn، والدبابية وكلاهما يقعان شرق نهر النيل في اتجاه مدينة الجبلين القديمة، حيث دمجت تلك المدن في منطقة ثقافية واحدة تتبع مدينة الجبلين.
ومن بين ما كشفت عنه الدراسة، أن قدماء المصريين أحدثوا نشاطا غير مسبوق بالمدينة، وأن المدينة شهدت فترات من الازدهار الديني، كما كشفت عن أهم المعبودات التي عرفتها المدينة، وصورة تفصيلية عن الحياة اليومية وأهم الأنشطة التي برع فيها سكان مدينة الجبلين قديما، وكيف كانت المدينة مركز قوة ومدينة محصنة، وعرفت الدراسة بالنظام الإداري في المدينة، وثراء السكان، وازدهار الفنون.. والسيطرة الإدارية لحكام الجبلين على الكثير من المدن المجاورة.
يُذكر أن مدينة الجلبين الثرية القديمة، تقع على الضفة الغربية لنهر النيل، وتبعد عن إسنا حوالي 17 كم شمالاً، وتبعد عن الأقصر بحوالى 28 كم جنوباً، وأما عن الطبيعة الجغرافية للمدينة حاليا، فهو عبارة عن جبلين متقابلين أحدهما شرق وأطلق عليه حديثاً الجبل الشرقي، والآخر غرب وأطلق عليه الجبل الغربي، وكلاهما على الضفة الغربية لنهر النيل، ويفصلهما عن بعضهما مجرىً مائي حديث وطريق مُمهد وشريط ضيق من الزراعة.
الأقصر: دراسة تاريخية تكشف أسرار مدينة الجبلين المصرية القديمة
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.