مقالات ووجهات نظر

الحلم في صندوق

بقلم / نجوى راغب

الحلم في صندوق

الحلم في صندوق

 

السفر ، الهجرة . الحلم القاتل الذي يراود الشباب قد يكون بحثاً عن الرزق وقد يكون رغبة في تجربة جديدة لعالم جديد ومختلف ظناً منهم أن السعادة تكمن في صفحات باسبور أو أسفل كرسي الطائرة أن لم تكن هجرة غير شرعية تحفها المخاطر من كل إتجاه

شباب يحلم بالسفر خارج وطنه وكأن ذلك السفر هو المنقذ لهم من مستقبل مجهول الملامح ، ولا يدرك أن المجهول الحقيقي هو السفر والغربة بكل ما فيها من أوجاع لا يدركها غير من عاشها بكل آلامها المعلنة والخفية .

قد ينجح الكثير ويحالفهم الحظ في تجربة السفر ويعمل ويجتهد ويحقق ذلك الحلم الذي سيطر على كل حواسه وتفكيره وكافح هو وأهله لتوفير المبالغ الباهظة من أجل الوصول إلى أرض الأحلام في الغربة . 

لكن هناك ثمن آخر يتم دفعه لا يقدر بأموال الدنيا كلها

البعد عن الأهل ، عن الوطن ، عن الأرض التي شهدت أولى خطواته عليها .

البعد عن الحياة الجسدية والروحية ليحيا هناك حياة خالية من كل معالم الحياة 

حياة إلكترونية فقط لاغير ، يتحدث لأهله من خلال شاشة الموبايل .

يهنئ أصدقائه من خلال رسائل صوتية أو نصية هذا وأن حالفه الحظ بقليل من الوقت فيحدثهم من خلال الشاشة أيضاً .

لا يعلم عن الأعياد سوى التقويم الميلادي والهجري والتهاني الإلكترونية .

إذا مرض عليه أن يتحمل لوحده آلامه بكل قسوتها وعليه أيضاً الإلتزام بمواعيد عمله مهما كانت درجة مرضه .

إذا توفي أحداً من ذويه لا يستطيع أن يحضر جنازته وعليه أن يتحمل قلبه الذي يعتصر حزناً دون أن يعبر عن هذا الحزن القاتل .

في الغربة لن يجد الأم التي تحنو وتحتوي بين ذراعيها لحظات الألم

ولن يجد الأب الذي يوجه ويساند ويساعد 

ولن يجد الأخت التي تستقبله بقلبها قبل حضنها الدافئ .

في الغربة تصبح الأيام كلها نسخة واحدة والمشاعر دخلت غرفة التجميد وحل محلها الخوف المستمر 

الخوف من عدم توفير المال لتعويض أهله عما تم صرفه من أجل تحقيق الحلم

الخوف من ضياع فرصة العمل في حال مرضه وأضطر للغياب 

الخوف من عدم تحقيق كل ما حلم به من توفير سكن مناسب وزواج وإستقرار مادي ومعنوي .

بأختصار الغربة هي مقبرة الحياة .

لكن للأسف ، لن يدرك كل هذا وذاك إلا من عاش الغربة بكل تفاصيلها 

أما على الجانب الآخر نجد ممن ينظرون للمغترب وكأنه يعيش غربته في جنات النعيم على الأرض .

وكأنه يأخذ الراتب الشهري في حقائب دون أن يبذل أي مجهود في عمله

وكأنه يتقاضى راتبه وهو يجلس أمام التليفزيون ويستمتع بالتنقل بين مواقع التواصل الإجتماعي من خلال الجوال أو اللابتوب ذو الماركة البراند .

الجميع ينظر للمغترب وكأنه ماكينة صرافة لا تتعامل سوى بالدولار فقط .

طوال الوقت حصر لكل ما يتم تحديثه أو تجديده بمنزل أسرته حتى وأن كان إستبدال ماسورة صرف صحي خاصة لمنزل أسرته .

هنا يقف الجميع والحقد والحسد يسيطر على كل شيء

لا يهم ما يعانيه المغترب في غربته .

لا يهم ما تعيشه أسرته في بعده عنهم .

لا يهم قلب أم يتمزق في كل مناسبة وكل وقت حين ترى أبنائها ينقصهم فرد منهم .

لا يهم قلب أب ينتظر بفارغ الصبر عودة أبنه ليكون سند له

كل ما يهم هو ما تم تجديده بمنزل الأسرة بعد فترة من سفر أحد أبنائها

كل ما يهم هو كم مساحة الأرض التي قام بشرائها والد المغترب .

كل ما يهم هو الكم والكيف دون النظر إلى أبسط حقوق المغترب في الحياة ..

إلى هؤلاء الفارغة عقولهم والحاسدة عيونهم والسيئة قلوبهم

رفقاً بأمهات لا حول لهن ولا قوة 

رفقاً بالأباء الذين غلبت عليهم رغبة أبنائهم في إستقلال سفينة الكفاح والغوص في غياهب الغربة من أجل لقمة العيش .

رفقاً بشباب مجتهد يسعى من أجل لقمة العيش وأختار السفر والغربة وترك الجلوس على المقاهي وفي الشوارع .

رفقاً بكل من يراوده حلم بسيط ، فهذا أقل حق من حقوقه في الحياة .

أعان الله كل من أجبرته الظروف على البعد عن قطعة من قلبه بحثاً عن توفير لقمة العيش وتوفير سبل الحياة

أعان الله كل أم فقدت فلذة كبدها من أجل تحقيق الحلم 

أعان الله كل أب فقد ثمرة فؤاده في مشوار الحياة 

أعان الله كل مغترب ، كل باحث عن الحياة ، كل شاب ترك خلفه الحياة وأختار حياة مفتقدة لكل معالم الحياة من أجل تحقيق الحلم .

الحلم في صندوق


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading