مقالات ووجهات نظر

الخرائط لا تتطابق دائما

الخرائط لا تتطابق دائما

الخرائط لا تتطابق دائما 

بقلم/ أحمد الجرف

يدار العالم بمبادئ معلنة وأخرى خفية وسط أطروحات وسياسات دولية يقودها عالمياً من يملك القوة الصلبة والقوى الناعمة معاً .

تغلف تلك السياسات بألوان شتى من الصبغات السياسية التى غالباً ما لا تفصح عن مضمونها أكثر مما تركز على الهدف منها .

فمثلا اذا تحدثنا عن حقوق الانسان فى العالم . أنه معنى رائع للحفاظ على البشر ولكن ياللعجب تقوم الحروب لأجل ذلك المعنى،

بل ويقضى على البشر بسببه وتجوع شعوب وتفقر اخرى وتحاصر .

كيف لمعنى بهذا النبل أن يكون سبباً فى التعاسة والحرب .

إن المستقرأ للمشهد سيدرك أن القصد هو بالفعل اذلال شعوب بعينها وافقادها القدرة على النمو بل ووقف الاستثمار فى البشر وحقوقه .

غير أن الغلاف لا يحمل نفس مضمون الكلمات فى عالم القوى العالمية . إن العالم يرسم على هيئه خرائط لنفس الاماكن من عدة جهات .

فمنها الخرائط السياسية والاقتصادية والجغرافية والجيوسياسية .وغيرها . ترسم من جهة صاحب الحق بالوان واقعية .

وترسم نفس الخرائط من جهة المستفيد والقوى ومن ليس له الحق بصور مختلفة تماماً . ولاتتطابق كلياً وأحيانا ً جزئيا .

مشهد أفغانستان ليس عنا ببعيد . هى دولة مستقلة لها مالها وعليها ما عليها ولكن خرائطها خلال الخمسين سنه الماضية رسمت لها بأيدى لا تعرف افغانستان ولا يهمها افغانستان .

خطط لها الانجليز والروس وامريكا . والكل اوجد الزرائع لذلك .غير أن افغانستان نفسها لاتعرف ما الذى يحدث . ولم تستفيد مما حدث . فقط خططوا ونفذوا وانهارت نظرياتهم . وصاحبة الارض تعانى فقط .

والمشاهد كثيرة حولنا . فى العراق الذى أعترفوا اخيراً أن اسباب الغزو كانت معلومات خاطئة وانه لا يملك أسلحة كيميائية مدمرة .

وسوريا والسودان واليمن . كل تلك الدول تعانى اليوم فقط لانها وضعت ضمن خرائط مختلفة تماماً عن خرائطها الاصلية .

وهنا يظهر لنا مدى وعى الدول بمحيطها الخارجى الذى يمكنها من النجاة أو على الاقل تقليل المخاطر .

حين إختارت مصر عدم الإنحياز فى فترة الخمسينيات . لم يكن القرار الاصوب . لانه ببساطة لم يقرأ المشهد العالمى الجديد ساعتها . المشهد كان يقسم خرائط العالم

بين الشرق والغرب ولم تكن هناك مساحات للتوازن ولا للحياد . فهاجم المعسكرين مصر بشدة . رأى الفريقين .

أن هذا من الحقوق الاصيلة للمنتصر فى الحرب العالمية الثانية . بينما فكرت مصر ساعتها بسمو عن ما يحاك فى الظلام العالمى . كلفنا ذلك الكثير .

القارئ لوضع الخرائط العالمية يجب أن يدرك أن خرائط القوى الخارجية ليست مسلمات .

وانما هى روئ تنفيذية وبدائل قابلة للتغير بمحددات معروفة دولياً . وأشهر تلك المبادئ . فلنفز نحن الأثنين.أو لنقلل الخسائر(win win) أما ان تخطط منفرداً عن القوى العالمية فذلك تغييب عن الواقع .

إن القارئ للمشهد المصرى الاستراتيجى فى ثورات الربيع العربي سيدرك تماماً البعد العبقرى لإدارة تلك الفترة بنموذج صريح لإدارة موقف تعارض الخرائط المحلية والعلمية .

خطط العالم لمصر ساعتها أن تذهب فى فوضى عارمة لتخرج منها على وضع ضعيف للغاية تسكن فيه وترضى بالاستسلام التام لكافة القوى العالمية فى كل شيئ

الاقتصاد الارض ,الارادة السياسية .

وبالفعل بدأت بوادر نجاح وظهور الخرائط الجديدة للنور بل وأعتلى من ينفذها فى مصر سدة الحكم .

بدأ المشهد متعسراً للغاية لا أمل . ولكن ظهرت براعة السياسي المصرى المستقرأ جيداً للمشهد . حين أفسد ذلك المشهد .

بإستدعاء قوى مؤثرة لم تكن فى الحسبان . غيرت المشهد تماماً . هى قوى الشعب الموحد ضد الإسلام السياسي .

بل وإظهار ضعف ذلك النظام . وظهور القوى الصلبة الى جانب الشعب الموحد . هنا فقط أدرك المخطط الخارجى أن النتائج لن تكون أبدا ً فى صالح الخريطة الجديدة .

لان بلداً موحدة يرعاها جيشاً وطنياً عصية على الاختراق . وهنا كانت الخطوة الأكثر ذكاء من السياسى المصرى . انه قدم نفسه كبديل قوى قادر على التفاوض وتحقيق المكاسب المشتركة له وللعالم .

هنا تحركت القوى الصامتة فى العالم لدعم السياسي المصري . ومن هنا كانت أطواق النجاة .ونجت مصر من المخطط جزئياً .

غير أن الخرائط المعدلة مازالت تحاول النيل إن لم يكن كامل المخطط فبعضه .

إن الصراع قائم لن يهدأ ولن ينتهى .

المهم فهم قواعد المرونه السياسية والتحالفات والمناورات المستمرة . هنا فقط سيحترم العالم من يفهم قواعد اللعبة الساسية.

إن الخرائط لم ولن تتطابق . والمهمة صعبه للغاية فى محاولة وضع خرائط مشتركة يكون فيها الجميع مستفيد . حفظ الله مصر من كل سوء 

 

 

 

الخرائط لا تتطابق دائما


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

احمد حمدي

المدير العام التنفيذي لجريدة المساء العربي

مقالات ذات صلة