في مواساة الألم… لماذا يفوز الحنون لا النصوح؟

في مواساة الألم… لماذا يفوز الحنون لا النصوح؟
حين يمرّ الإنسان بالألم، لا يكون في حالة تسمح له بسماع المنطق أو استقبال النصائح، مهما بدت صحيحة. فالألم، نفسيًا وعصبيًا، ليس لحظة تفكير، بل لحظة تهديد.
وتشير الدراسات في علم الأعصاب إلى أن الدماغ تحت وطأة الألم أو التوتر الشديد يُعطّل مراكز التحليل واتخاذ القرار، ويدخل في وضع “الدفاع والبقاء”، حيث يصبح الهدف الوحيد هو الإحساس بالأمان لا الفهم أو التغيير.
من هنا، تتحول النصيحة المبكرة – رغم حسن النية – إلى عبء إضافي. فبدل أن تُشعر الإنسان بالدعم، قد تُشعره بالهجوم أو الاتهام. ولهذا لا يكون رفض النصيحة في لحظة الوجع عنادًا أو إنكارًا، بل استجابة عصبية طبيعية.
في المقابل، يلعب التعاطف دورًا محوريًا. إذ تُظهر أبحاث نفسية أن التعاطف والاحتواء يقللان الإحساس بالتهديد العصبي،
ويُسهمان في تهدئة الجهاز العصبي، مما يسمح بعودة العقل التحليلي للعمل لاحقًا. الأمان العاطفي ليس ترفًا إنسانيًا، بل شرطًا أساسيًا لأي وعي أو تغيير حقيقي.
الأهم من ذلك أن العلم يؤكد أن الألم الاجتماعي – كالإهانة، التجاهل، أو القسوة اللفظية – يُعالَج في الدماغ في نفس المناطق المسؤولة عن الألم الجسدي. أي أن الكلمة القاسية قد تُوجِع فعليًا كما تُوجِع الضربة، حتى لو لم تترك أثرًا مرئيًا.
لهذا، في مواساة الألم، يفوز الحنون لا لأنه ألين أو أضعف، بل لأنه الأقدر على إعادة الإحساس بالأمان. وبعد أن يهدأ القلب، فقط حينها، تصبح النصيحة ممكنة ومسموعة.
ولعل هذا المعنى الإنساني العميق ينسجم مع التوجيه القرآني:
﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]،
فالحُسن في القول ليس مجاملة، بل حكمة تراعي طبيعة الإنسان حين يتألم.
في مواساة الألم… لماذا يفوز الحنون لا النصوح؟
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
