مصر .. درع الأمه وصوت العقل
في قلب الشرق الأوسط، حيث تتقاطع المصالح وتشتعل الصراعات، تتجذر مصر كقوة لا تُزحزح، تؤدي دورها التاريخي كدرعٍ للأمة وصوتٍ للعقل في زمنٍ تتكالب فيه التحديات وتُحاك فيه المؤامرات. ليست مصر مجرد دولة ذات حدود، بل هي ركيزة الاستقرار العربي، وقلعة الدفاع عن الهوية، وصاحبة الإرث الذي منحها شرعية القيادة في أحلك اللحظات.
منذ عقود، كانت مصر حاضرة في كل مفصل تاريخي عربي: من تأسيس الجامعة العربية، إلى قيادة حركة عدم الانحياز، إلى دعم القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، إلى خوض معارك التحرر الوطني. لم تكن مصر يومًا دولة هامشية، بل كانت دائمًا نقطة ارتكاز في لحظات الانهيار، وصوتًا للعقل حين تعالت أصوات الفوضى.
اليوم، تشهد منطقتنا العربية اضطرابات متلاحقة، تتنوع بين النزاعات المسلحة، التدخلات الأجنبية، والانقسامات السياسية التي تهدد وحدة الشعوب ومصير الأوطان. وفي خضم هذا المشهد المضطرب، تتكشف نوايا القوى الغربية والكيان الصهيوني في إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يخدم مصالحهم، عبر تفتيت الدول إلى كيانات هشة، وإضعاف القرار العربي، وزرع الفتن الطائفية والمذهبية.
تُستخدم أدوات متعددة في هذه المخططات، من دعم التنظيمات المتطرفة، إلى بث خطاب الكراهية، وصولًا إلى استغلال الإعلام الرقمي لنشر الفوضى الأخلاقية، وترويج محتوى هابط يضرب القيم ويستهدف الشباب. بل إن بعض المنصات، وعلى رأسها تطبيقات مثل “تيك توك”، أصبحت واجهةً لتبييض الأموال المشبوهة، تُستخدم كستار لعمليات غسيل أموال مجهولة المصدر، ما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الاقتصادي والاجتماعي. وقد بدأت الدولة المصرية بالفعل في التصدي لهذه الظاهرة، عبر إجراءات قانونية ورقابية حازمة، تهدف إلى حماية المجتمع من الانهيار الأخلاقي، وصون الهوية الوطنية من العبث.
وسط هذه التحديات، تبرز مصر كقوة عقلانية متزنة، لا تنجر وراء الاستفزازات، بل تتحرك بثبات نحو التهدئة، وتقديم الحلول السياسية الواقعية. مصر هي الدولة التي تجمع بين القوة العسكرية الرادعة، والدبلوماسية الحكيمة، والرؤية الاستراتيجية التي تضع مصلحة الأمة فوق كل اعتبار. في القضية الفلسطينية، كانت مصر ولا تزال الوسيط النزيه، الذي يسعى لوقف التصعيد وحماية الحقوق. وقد جاء الرد المصري واضحًا وحازمًا على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة، التي لوّح فيها بما سماه “الهجرة الطوعية” للفلسطينيين من قطاع غزة، حيث رفضت القيادة السياسية المصرية هذه الطروحات رفضًا قاطعًا، مؤكدة أن تهجير الفلسطينيين يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وتصفية ممنهجة للقضية الفلسطينية.
وقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة أن “أمن مصر القومي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بأمن المنطقة”، وهو ما يترجم عمليًا في تحركات مصر الإقليمية، التي تتسم بالحكمة والاتزان، دون تفريط أو تهاون. لكن هذا الدور القيادي لا يخلو من التحديات. فمصر تواجه ضغوطًا اقتصادية عالمية، ومحاولات مستمرة لتشويه صورتها عبر حملات إعلامية مغرضة، فضلًا عن تهديدات أمنية عابرة للحدود، مثل الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، وتجارة السلاح.
ورغم ذلك، تواصل مصر بناء نموذج تنموي متكامل، يهدف إلى تعزيز الاستقرار الداخلي، وتأكيد مكانتها كقوة إقليمية فاعلة. من خلال مشروعات قومية ضخمة، وتحديث البنية التحتية، وتطوير القوات المسلحة، ترسخ مصر مكانتها كقائدة لا تابعة، وكصوتٍ للعقل في زمنٍ تتراجع فيه الحكمة أمام المصالح الضيقة.
في الشارع المصري، لا تزال الثقة في الدولة راسخة، رغم التحديات. يقول أحد الشباب: “نحن نؤمن أن مصر هي الأمل وسط هذا العالم المضطرب، وأنها الوحيدة القادرة على حماية الأمة من الانهيار”. هذا الصوت الشعبي يعكس إدراكًا عميقًا لدور مصر، ويؤكد أن القيادة لا تُمنح، بل تُصنع من تضحيات الشعوب وإرادة الحكومات.
لكن السؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم: هل سنقف خلف مصر في معركتها من أجل الأمة؟ وهل سنكون على قدر المسؤولية في مواجهة حرب الأفكار، والهوية، والمصير؟ إن مصر لا تحتاج إلى التصفيق، بل إلى الدعم الحقيقي، إلى الوعي، إلى التكاتف، لأن المعركة القادمة ليست فقط على الأرض، بل في العقول والقلوب.
إنها مصر التي لا تنكسر، ولا تتراجع، بل تزداد صلابة كلما اشتدت العواصف، لأنها ببساطة… درع الأمة وصوت العقل.
مصر .. درع الأمه وصوت العقل
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.