مقالات ووجهات نظر

رفات على قيد الحياة

رفات على قيد الحياة

رفات على قيد الحياة

 

بقلم : نجوى راغب 

نظرا لما أراه هذه الفترة من كمية جرائم وانعدام أخلاقي ، وددت أن أكتب عما يجول بخاطري تجاه هذه الأحداث الغريبة ، لكن للأسف ، وجدت نفسي أمام كم هائل من كل صور الانعدام الأخلاقي لدرجة أنني لا أدري عن أي شيءأكتب .؟ 

أصبحنا مجرد مسخا بشريا يعمل من أجل مقابل مادي للحياة فقط لا غير ، بل إنها حياة القبور ، نعم قبور تضم بين جنباتها أجسادا” على قيد الحياة لكن إنسانيتهم للأسف قد أصبحت مجرد رفات .

كلٌ منا أصبح بداخله قبر يضم رفاته الٱنسانية ، ولا نأبه لذلك أبدا بل إننا نتصارع ونتسابق فيمن سيتفوق على الآخر في قتل إنسانيته بشكل أسرع وأكبر من غيره .

لم يزيدنا التطور والتكنولوجيا سوى تجميد عاطفي وإنساني من الدرجة الأولى .

أنبهرنا بالتقدم العلمي والتكنولوجي ،والذي يتجسد في صورة الهاتف المحمول والأنترنت فأصبحنا نمارس عاداتنا الإنسانية من خلاله ، نواسي البعض في الحزن ونشارك بعضنا البعض في الفرح ونطمئن على ذوينا ، ونعبّر عن مشاعرنا ، كل هذا وذاك من خلال شاشة التليفون المحمول ويتم على فترات متباعدة .

ورويدا رويدا تقل عدد مرات المشاركة الإنسانية وتصبح صلة الرحم يربطها رقم تليفون قد لا نستخدمه لأعوام ، فلماذا نستخدمه ونحن أصبحنا لا نعلم عن صلة الرحم سوى الاسم المشترك بشهادة الميلاد ؟ 

ولم ولن تكن هذه هي المشكلة فحسب ، بل إننا نرى وبشكل يومي كل ما يؤكد أننا أصبحنا مجرد مسخا بشريا ، فنرى كل مظاهر العنف والجريمة بشكل تقشعر له الأبدان فلم تتوقف الجريمة على سنٍ محدد ولم ترحم من قاموسها صلة الرحم

فأصبحنا نرى طفلا” يقوم بجريمة قتل وآخر بجريمة اغتصاب ناهيك عن جرائم السرقة .

ثم نرى شبابا” في ريعان الشباب كانوا يوما ما حُلما” لذويهم بأن يكون شيئا” مرموقا” يُفتخر به من الأهل ويحتذى به بين أقرانه

لكن للأسف ، نراه قاتل ، بل إنه يقتل بوضح النهار متحديا” القانون والمنطق والإنسانية كلها .

ثم نرى من يبررون الجريمة ويدافعون عن القتل بل إنهم يقتلون الميت مرات ومرات عدة ،ظنا منهم أنهم بذلك يدافعون عن القاتل ويبررون جريمته ويطلبون من البقية الأخرى التعاطف تجاه القاتل 

وبجانب هذا كله نرى ما هو أشد خطورة ، وهو من يسب وطنه ،ويحاربه عن طريق منصات التواصل الاجتماعي ، بل ويتمنى لوطنه الانهيار وكأنه معتوه أو مغيب ولا يدرك معنى قيمة الوطن .

الكثير والكثير من مظاهر اللا إنسانية نراها على مدار اليوم وكأننا اعتدنا على ذلك ، بل إننا كل يوم نؤكد لأنفسنا أننا أصبحنا رفات على قيد الحياة 

فالنصب أصبح من علامات الذكاء والفهلوة والشطارة ، والقتل أصبح مبررا” لمظهر آخر من مظاهر الانحراف ، حتى إن الحقد والضغينة أصبحا من مبررات عدم القناعة وعدم الرضا.

الأخوّة وصلة الرحم أصبحت مجرد قربان يُقدم لننال رضا الآخرين

افتقدنا كل ما يربط بيننا وبين الإنسانية 

وأصبحت الحياة مجرد صراع مُباح فيه كل شيء وأي شيء ، لدرجة أننا إذا وجدنا من يتمسك بإنسانيته نهلل ونتحدث عنه كأننا وجدنا شيئا” مستحيلا” ولم نُدرك أننا خُلقنا بكل معاني الإنسانية .

أصبحنا نُسارع في إنتاج أجيال وأجيال من الرفات الحية المفتقدة لكل ما هو إنساني ، تجاهلنا تأسيس أطفالنا من الصغر ، وتغاضينا عن تجاوزات أبنائنا في الصبا والشباب وفي النهاية تخرج لدينا كم هائل من انعدام الإنسانية والأخلاق يتجسد في صورة آدمية لا تختلف كثيرا” عن الصورة الحيوانية ، بل إن الحيوانات مازالت تحتفظ بموروثاتها من النظام والسلوكيات التي نشأت عليها .

متى نستفيق من تلك الغيبوبة الأبدية ؟؟!!!

متى نعود إلى رشدنا؛ لنستطيع الحاق بالركب الإنساني ؟؟

متى نُلقي بالتقليد الأعمى إلى غياهب الجُب حتى تعود إلينا إنسانيتنا ؟؟

متى نتذكر أن بناء الإنسان أهم من الأبراج والعمارات وناطحات السحاب ؟؟ 

متى نتذكر أن صلة الرحم ليست مجرد رقما يتم تسجيله على شاشة هاتف ؟؟

متى نتذكر أن الأخ هو السند الحقيقي لأخته وأخيه وليس هو أول من يأكل لحم أخته ؟؟

متى ندرك أن الكلمة يمكن أن تكون أقوى من أموال الدنيا كلها ؟ وأن المشاعر لا يمكن إيصالها عن طريق رسالة كتابية من خلال الهاتف لنطمئن بها على ذوينا ؟؟ 

نحن بحاجة إلى تقدم إنساني وتطور روحي ورُقيّ أخلاقي بقدر حاجتنا للماء والهواء 

نحن بحاجة إلى وقفة جادة مع النفس حتى نُهذب النفس لنعود إلى صفاتنا الإنسانية التي خلقنا عليها ربُّ العالمين .

وأخيرا ، أسأل الله العلي القدير لي ولكم أن يلهمنا الرشد؛ لننجو بأنفسنا من قبور الحياة حتى نستعد جيدا لقبور نهاية الحياة .

والله ولي التوفيق .

رفات على قيد الحياة

Loading

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى