جريدة المساء العربي جريدة المساء العربي
مفهوم اللطف
بقلم : بـــــــسنت صلاح عباس
مفهوم اللطف
إن كان -دومًا- جزاءُ لُطفك غيرَ إحسانٍ، فلربما لستَ تُمارس اللطف حقًا، و إنما تفتري على اللطف ضعفًا.
فليس مِن فضيلة اللطف أن تستهينَ بأذى أحدٍ لك، و لا أن تئِدَ شعورًا بالنفور مِن أحدٍ، و لا أن تُساير رأيًا لا يوافقك، و لا أن تُمدِّح شيئًا ليس يُعجبك. إنما غاية اللطف -قبل كل شيء- أن تكون لطيفًا بنفسك، خفيفًا على قلبك، و أن تُعامل الناس دومًا بمكنون صدرك و مضمون فكرك، على أن تُراعيَ ألّا تخلو تعابيرك و ردودك مِن الوضوح و الحسم، و من الترفُّق و الأدب.
و إنّ مِن اللطف أن تدرك أنّ للمشاعر سلطانًا مكينًا عليك، لكن؛ يُهذِّبُها التفكّرُ. فلمَّا يضيق صدرُك بمرأى غريبٍ لا تعرفه، تفكَّر أنك ربما لو عرفته لاتَّسع له صدرك. و حتى ذلك الحين، فمِن يسير اللطف أنْ تأخذه على محمل الحياد؛ ألا تؤذي قلبَه بتلاميح تأفُّفك، و ألا تؤذي نفسَك بتصاريح تقرُّبه.
و إنّ من اللطف أن تفهم أن ما يبدُر مِن الناس كافةً هو صدًى مِن دواخلهم، و ليس اغتراضًا لأذيّتك أو انعكاسًا لحقيقتك. و أنه ليس لك مِن سلطانٍ على أفعالهم إلا أن تعاملهم وفق ما يُظهرون، و ما يليق بك، دون إطلاقٍ و لا حُكم.
مَن أكرمكَ؛ رُدَّ عليه بكرمك و اقترب، أو بشُكرك و انسحب، حسبما ترغب، و ظُنّ به الكرم، و لا تستبعد منه السوء في الوقت نفسه. و من أساء إليك؛ ردَّه بتجاهلك، أو عاقِبه بهجرك، أو اغلبه بعفوك. و مَن استثار بُغضَك بقبيح عمله؛ انصحه إن اِسطعت، أو اِعرض عنه إن ضقت، و لا تَزِده فوق أذَى قُبحه بشماتتك فيه أو قهرك له. و مَن استشار رأيك في شتيت أمره؛ شاركه بالذي خُضته و خبِرته، و ليس بما يُرضيه سماعه، أو يُزايد عليه في مَساعِه.
و إنّ مِن اللطف ألا يغرّنك سوءُ الناس -مهما أساءوا- بأن تراهم شياطينًا، و لا فضيلتهم -مهما تفاضلوا- أن تحسبهم ملائكةً. و أن تعلم أنّ هائلَ سخطك تجاه دنيءٍ لربما ينقلب شَفَقًا و ندمًا إن اِلتمحتَ ألمًا في قلبه. و أنّ باهرَ شغفك بجميلٍ لربما ينقلب بَهَتًا و بغضًا إن اكتشفت سقمًا في نفسه. و لتعلم -أكثر ما تعلم- أنّ ما مِن حَكَمٍ سوى الله، و أنه يخفَى عليك في الناس أكثر بكثيرٍ مما يبدو لك.
مفهوم اللطف
1,282 إجمالي المشاهدات
