محليه

 ( رياضة تعلم الإنصات للناس) بقلم دكتورة / أمينة المهدي

 

 ( رياضة تعلم الإنصات للناس)

بقلم دكتورة / أمينة المهدي

لطالما حلمنا بملء جدار غرفتنا أو منزلنا بما قد تجود به قريحتنا من رسم الحيوانات والأشخاص ونحن صغارا، لولا رقابة الأم، نطمع في تجسيد معنى الحرية والتعبير عن شعورنا وعواطفنا. نرسم بالأقلام الملونة او قلم الحبر او بالطبشورة. وهكذا رسام الجداريات، يريد إنتقال من مرسمه الضيق الى مساحة أوسع ويخرج لوحاته من معرض ورواق منحصر ترتاده نخبة النخبة المهتمة الى فضاء عام تحت مرئ عيون الكل من محبي الفن والابداع.

“رياضة تعلم الإنصات للناس” بهذه العبارة الغامضة شبه رسام الجداريات عمر الهمزي الرسم في الفضاءات العمومية. جدران العمارات الاسمنتية الشاهقة العلو تتغير وتتزين بلوحات فنية ضخمة بأشكال هندسية بديعة وألوان زاهية تبث الدفء وتكسر رتابة المدينة، فنانون يريدون إبلاغ رسائل من خلال الفن كمتنفس لهم بإبداع لوحات فنية ذات أبعاد مُختلفة بها رموز تغير وجه العديد من المدن المغربية.

بدأ المغرب يتعرف على فن الرسم على الجدران أوائل السبعينات حين استغل بعض الفنانين فضاءات خارج ضيق المرسم في إنتاج فن تستمتع به العامة، وكان لهم ذلك في ساحة جامع الفنا بمراكش، ثم كانت جداريات مدينة أصيلة مدينة الفنون و”عاصمة الجداريات” شمال المغرب على الساحل الاطلسي. وتلتها مدن أخرى. وقد كان للدولة المغربية دور مهم في نماء هذه الظاهرة وهذا الفن وحركات الشارع على العموم، بتشجيع العديد من المهرجانات وذلك منذ الالفين.

 انتشرت الجداريات الفنية الضخمة التي قد تصل الى عشرات الامتار في المدن الكبرى والسياحية بالمغرب، مثل الرباط والدار البيضاء وأصيلة ومراكش، وصارت أحداثا ومواعد سنوية تبادر بها جمعيات فنية وثقافية كجمعية “التربية الفنية والثقافية” في الدار البيضاء حين جمعت فنانين مغاربة وعالميين في مهرجان “جدار- لوحات الشارع” الذي انطلق في 2013 بالعاصمة الرباط والمهرجان نظمته منظمة (البولفار) التي تدعم الموسيقى المعاصرة والثقافة الحضرية في المغرب سنة 2015، بشعار “الصباغه باغا” (الصباغة تريد)، فنانون يريدون من خلال الفن أن يُبلغوا العالم رسائلهم وصوتهم الذي يجد مُتنفسا له من خلال الصباغة، ومُستقرا له على الجدران، رسومات تتنوّع مضامينها وثماتها بين تصوير مشاهد لجمال الطبيعة الخلابة أومن الحياة اليوميّة من أسواق أسبوعية في البادية أو مخلوقات عجيبة من وحي الخيال أو رسوم كرتونية او بدوية كادحة تبيع الجبن أو “وجه بشوش”.

وتكريما للمغرب رسم الفنان العالمي الألماني “هندريك بيكيرش” لوحة جدارية مستوحاة من لقاءاته بساكنة منطقة الحوز في مشروع رحلته نحو استكشاف وفهم مثالي للتواضع. رسم صورة “سعيد” رجل مسن بشوش مواطن بسيط من سكان إقليم الحوز، الجدارية الشهيرة بعنوان “الوجه البشوش” والتي أصبحت رمزا من رموز مراكش الحمراء، خلال فعاليات “مهرجان بينالي” مراكش. وأصبحت معلمة من المعالم المراكشية تطل بكل شموخ من عليائها. لقد خلدت تلك الابتسامة الصافية والبريئة في لوحة فنية ضخمة تواجه مبنى المسرح الملكي والباب الرئيسي لمحطة القطار.

جداريات تجلب أنظار المارة الذين يقفون لحظة يتأملون في جمالها ومحاولة فهم مغزاها وفنان ملهم يستعد بحماس بلباسه الرياضي الفضفاض وصدريته الصفراء لمواجهة الجدار الابيض، يجمع أدوات الرسم من فرش الصباغة وألوان ليُطلق العنان لفرشاته كي تغطي بياض جدار أحد المباني، ويقول الفنان الشاب عمر المُلقب ب «بعبع» (25 عامًا): “لم أكن لأتخيّل نفسي أرسم جداريات في الفضاء العمومي عندما تخرجت من المدرسة الوطنية للفنون الجميلة” الذائعة الصيت بمدينة تطوان.

Loading

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى