محليه

مؤشر الإرهاب العالمي ٢٠٢٤ .. إلى أين ؟؟

 

مؤشر الإرهاب العالمي ٢٠٢٤ .. إلى أين ؟؟

بقلم.. د./ نورالدين سعد
رئيس القسم السياسي

يُعَدّ مؤشر الإرهاب العالمي مرجعًا مُهمًا للباحثين والدارسين المهتمين بقضايا الإرهاب والتطرف، وكذلك للدول والمنظومات المعنية، لما يُقدمه من قراءة بانورامية للمشهد الإرهابي العالمي، واتجاهات النشاط الإرهابي في أقاليم العالم المُختلفة، ونطاقات تمركزاته الجغرافية، وعليه، يُمكن استعراض أبرز المُلاحظات الإيجابية بشأن مؤشر الإرهاب العالمي في نسخته الأخيرة لعام 2024 على النحو التالي:

1. يُعد المُؤشر أحد التقارير الرئيسة التي تُمثل مرجعًا يتم الاستناد إليه في تحديد أبعاد الظاهرة الإرهابية في العالم؛ حيثُ يُقدم في نُسخه السنوية مادة إحصائية واسعة حول تعداد الهجمات الإرهابية والوفيات الناجمة عنها والتكتيكات الأكثر استخدامًا من قبل التنظيمات الإرهابية النشطة في العالم. وتكون تلك الإحصاءات مصحوبة ببعض النقاط التحليلية التي تشرح أبرز الملامح العامة التي اتسم بها النشاط الإرهابي خلال العام السابق لسنة إصدار المُؤشر، والتأثيرات والتداعيات المُرتبطة بهذا النشاط ودرجة تباينها من منطقة جغرافية لأخرى،

وكذا الجماعات الإرهابية الأشد فتكًا، وقائمة الدول العشر الأكثر تأثرًا بالإرهاب عالميًا، والسمات والخصائص التي تُميز النشاط الإرهابي عن غيره من أشكال العنف الأخرى كالصراع المسلح والقتل والانتحار، وجميعها مُخرجات مهمة تُمكن الباحثين والأكاديميين المُتخصصين في دراسة وتحليل الإرهاب من النظر بعدسة “الطائر المُحلق” على المشهد الإرهابي العالمي، والوقوف على أبزر خصائصه، واستشراف مآلاته المُحتملة.

2. في ضوء ما تتسم به الظاهرة الإرهابية من حيث كونها ظاهرة معولمة عابرة للحدود، ولا يقتصر خطرها ومداها على حدود دولة بعينها، بل تمتد كذلك لتشمل نطاقات جغرافية عديدة، يُقدم المؤشر مادة مُعتبرة لصنّاع القرار وراسمي السياسات الأمنية تمكنهم من صياغة مُقاربات مُكافحة الإرهاب سواء على المستوى الوطني أو المُستويين الإقليمي والدولي،

وتقييم فاعلية الإجراءات التي تنتهجها الحكومات المُختلفة لمحاربة الإرهاب، ومعرفة البؤر النشطة التي يُمكن أن تنتقل منها العدوى الإرهابية، واتخاذ الإجراءات الاستباقية لمواجهتها. ويُمكن أن يعمل المؤشر بمثابة بوصلة للحكومات والمواطنين في تحديد وجهاتهم الاستثمارية والسياحية، لا سيَّما أن مستوى ودرجة الخطر الإرهابي في دولة ما يُعد أحد العوامل المهمة المؤثرة التي تحدد ما إذا كانت هذه الدولة جاذبة أم طاردة للاستثمارات.

3. في ضوء الارتباطات والعلاقات الوثيقة بين الإرهاب والجريمة المُنظمة في العديد من دول العالم، وتعقد واختلاف تلك العلاقات باختلاف المناطق والسياقات، يكون من الضروري الاستمرار في تحديد هذه الروابط وتفكيكها وفهمها بشكل أفضل وبيان مظاهرها ودرجاتها وتأثيراتها الإقليمية، لا سيما من خلال جمع البيانات وإعداد البحوث المُتخصصة في هذا الشأن، لإنشاء قاعدة معلوماتية وتحليلية تُسهم في صياغة استجابات إقليمية ووطنية لمواجهة تلك الظاهرة.

ويُعد مُؤشر الإرهاب العالمي إحدى الخطوات الرئيسة لدعم هكذا جهود؛ إذ سلطت نُسخته الأخيرة لعام 2024 الضوء على العلاقة المُتزايدة بين الإرهاب والجريمة المنظمة التي تم تحديدها خلال عام 2023، وأنماط هذه العلاقة التي تتنوع ما بين التعايش والتعاون والتقارب، وكيفية استفادة الجماعات الإرهابية –لا سيما تلك النشطة في منطقة الساحل الأفريقي– من ممارسة أنشطة الجريمة المنظمة في تمويل نشاطها، وبناء علاقات وشركات في المنطقة لتعزيز سيطرتها.

4. يشتبك المُؤشر مع مُعضلة المُقاتلين الإرهابيين الأجانب في صفوف تنظيم داعش؛ إذ يُؤكد على أهمية أن تُركز سياسات مُكافحة الإرهاب على إعادة هؤلاء من مخيم الهول وغيره من المُخيمات التي تأوي عشرات الآلاف من نساء وأطفال داعش بشمال شرق سوريا إلى بلدانهم، والاهتمام بإعادة تأهيلهم ودمجهم في مُجتمعاتهم لضمان عدم عودتهم للتطرف مرة ثانية. وتأتي أهمية تسليط المُؤشر للضوء على تلك المُعضلة كونها تُعَدّ أحد الأسباب الرئيسة المُحفزة لاستمرار الخطر الإرهابي رغم ما تُحققه الجهود الوطنية والإقليمية والدولية من نجاحات في ملف مُحاربة الإرهاب؛

حيثُ تُمثل مُخيمات المُقاتلين الدواعش قُنبلة موقوتة تُهدد بالانفجار في أي لحظة في ظل غياب التحركات الإقليمية والدولية للتعامل مع الخطر الأمني الذي تحتضنه هذه المُخيمات بشكل جاد حتى الآن، ما يستوجب صياغة استراتيجية موحدة ومدروسة وقابلة للتطبيق بشكل عاجل للتعاطي مع هذا الخطر، وخصوصًا الأطفال القاطنين داخل المُخيمات والذين يشكلون “مخزونًا استراتيجيًّا” يضمن لداعش بقاءه واستمرار خطره في المُستقبل، ويُسهم في تحقيق أهدافه المزعومة في إقامة “دولة خلافة باقية ومُمتدة”.

5. يُقدّم المُؤشر ضمن أحد فصوله تقييمًا لجهود مُكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي لبيان مدى نجاعتها في تطويق خطر الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المُنظمة النشطة في المنطقة. ويطرح جملة من التوصيات المهمة لقطع الإمدادات المالية واللوجستية عن تلك الجماعات على نحو أكثر فعالية، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر:

– تطوير خطة عمل استراتيجية إقليمية تهدف إلى تعطيل شبكات الجريمة المُنظمة العابرة للحدود الوطنية في منطقة الساحل الأفريقي، وإدخال إصلاحات جديدة لإعادة تنظيم التشريعات واللوائح المعنية بالعلاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة، لإنشاء إطار أكثر شمولًا يُمكن تنفيذه بسهولة.

– إيجاد آليات لتعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتعاون في إدارة الحدود بين دول منطقة الساحل الأفريقي. وزيادة تخصيص الموارد الحكومية لبناء القدرات في مجال المراقبة وجمع المعلومات وتبادلها بين وكالات إنفاذ القانون لتعزيز الكشف عن قضايا الجريمة المُنظمة عبر الوطنية ومُحاكمتها؛ حيثُ أظهرت الطبيعة العابرة للحدود الوطنية للاقتصادات غير المشروعة وتمويل الإرهاب في منطقة الساحل الحاجة إلى استجابة متعددة الأبعاد تعتمد على زيادة التعاون بين دول المنطقة بدعم من شركائها الإقليميين والدوليين.

– إعادة النظر في جهود مُكافحة الإرهاب في منطقة الساحل لتتضمن إجراءات لمُراقبة الأنظمة المصرفية غير الرسمية بما يُساعد على قطع مصادر التمويل عن الجماعات الإرهابية؛ إذ أظهرت خصوصية منطقة الساحل أن العديد من أنشطة العمليات الإرهابية الجماعية، والتحويلات النقدية، وقنوات تمويل الإرهاب تقع خارج الأنظمة المالية والمصرفية الرسمية.

– الاستمرار في إعطاء الأولوية لكشف ومكافحة تمويل الإرهاب لتحديد ومكافحة الروابط مع الأشكال الأخرى من الإجرام، بما في ذلك إجراء تقييمات لمخاطر التمويل، وتعزيز دور وحدات الاستخبارات المالية وبناء التعاون مع مُحققي محاربة الإرهاب.

– من المُهم التصدّي بشكل شامل لكافة أشكال الاتجار بالبشر التي تُمارسها الجماعات الإرهابية، ومُعالجة الاستغلال والاتجار غير المشروعين بالموارد الطبيعية والسلع الأخرى التي يُمكن أن تستفيد منها تلك الجماعات. كما ينبغي العمل على مُواصلة مُعالجة الاتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة وتصنيعها وحيازتها والتي يُمكن أن تُفيد الجماعات الإرهابية ماليًا، وتُسهل من ممارسة أنشطتها.

– بناء القُدرات في مجال أمن الحدود والجريمة البحرية لكشف ومنع العبور غير المشروع للسلع والأشخاص التي يمكن استخدامها لتمويل الجماعات الإرهابية وتسهيل سفر المقاتلين الإرهابيين الأجانب من خلال أدوات جمع البيانات وأنظمة المراقبة والسيطرة وتعزيز التعاون بين الوكالات بما في ذلك بين الجمارك والمحققين ومسئولي المخابرات.

 

 

مؤشر الإرهاب العالمي ٢٠٢٤ .. إلى أين ؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى