مقالات ووجهات نظر

أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة 

أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة 

أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد لقد برعت الألفاظ النبوية في تصوير حال المؤمن الذي يفقد الأمانة، إذ يبتديء الأمر بالأثر البسيط في القلب، ثم يزداد الأثر وضوحا فتشد ظلمة القلب ويقل نور الأمانة، حتى تبقى تلك الفضيلة في القلب كذكريات جميلة لا تستقر في الوجدان وسرعان ما تزول، ولا يبقى في الناس سوى مخايل الأمانة وصورتها دون حقيقتها، وإنك لترى الرجل فيخيل إليك أنه ذو أمانة بناء على ظاهره، وليس في قلبه شيء منها، كالأثر الجلدي المليء بالماء لا طائل منه، ولا حقيقة له، وإن شئت فقل كفقاعة صابون قد يرى لها جُرم، وتكبر في عيون الناظرين، بينما في الواقع أن وجودها لا تأثير له، وبمرور الزمن يقل فيه من يتخلق بالأمانة.

حتى إذا جرى عند الناس التبايع، ووقع عندهم التعاهد، جهدوا أنفسهم بحثا عمّن يأتمنونه في المبايعة والمواعدة والمعاهدة فلا يجدون إلا خائنا، وتبلغ الندرة أن يقال ” إن في بني فلان رجلا أمينا” يقولونها على وجه الإستغراب والتعجب، نسأل الله السلامة والعافية، وعلى المعنى السابق جاء حديث آخر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “كيف بكم وبزمان يوشك أن يأتي، يغربل الناس فيه غربلة، وتبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم، فاختلفوا، وكانوا هكذا؟ وشبّك بين أصابعه” قالوا كيف بنا يا رسول الله إذا كان ذلك؟ قال “تأخذون بما تعرفون، وتدعون ما تنكرون، وتقبلون على خاصتكم، وتذرون أمر عوامكم” رواه أبو داود وابن ماجة، والحثالة هم سفلة الناس وغوغاؤهم.

وقوله عليه الصلاة والسلام “مرجت عهودهم” أي اختلطت عهودهم وفسدت، وضيّعها أصحابها، فالنبي المصطفي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبيّن ما يؤول إليه أمر الناس آخر الزمان من قلة في الأمانة، وعدم الوفاء بالعهد، وشدة الإختلاف، فلا يعرف الأمين من الخائن، ولا الصالح ممن سواه، وفي هذه الحالة يجب على المرء أن يولي إهتمامه بإصلاح خاصة نفسه، والقيام بما أمر به قدر المستطاع، ولا يضره بعد ذلك ضلال من ضل، كما قال سبحانه وتعالى في سورة المائدة ” يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم” وقد دلت الآثار على أن رفع الأمانة من قلوب الرجال يعدّ من أوائل مظاهر الخلل في بنيان المجتمعات، وبداية الإنحراف والتغيير في قيمها وأخلاقها، وشاهد ذلك من بطون السنة ما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

“إن أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما يبقى الصلاة” رواه الحاكم، وقد يتصور البعض أن فقدان الأمانة المذكور في الأحاديث مقصور على معناه الضيّق من التفريط في الودائع، والحق أن الأمانة لها مدلول واسع يشمل الدين كله، فنحن مؤتمنون على أجسادنا وليست ملكا لنا، فلا يجوز لنا أن تصرف فيها بغير ما أذن بها مالكها وخالقها سبحانه وتعالى، ويدلك على هذا الإتساع في المفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم “المستشار مؤتمن” رواه أصحاب السنن، وقوله عليه الصلاة والسلام “المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم” رواه أحمد وغيره، وقوله “إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة” رواه الترمذي وغيره، وقوله “إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها” رواه مسلم، إلى غير ذلك من الأدلة والشواهد.

 

أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة

Loading

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى