وصية لابنتي عشية زفافها 

 

خاطرة بقلم علي محمود الشافعي 

وصية لابنتي عشية زفافها

عرفنا ــ أيها السادة الأفاضل ــ من قديم الزمان ما نقلت لنا كتب التراث وصية أعرابية لابنتها ليلة زفافها , كما نقلت لنا أيضا وصية الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لابنه ليلة زفافه , لكن ما أوردت تلك الكتب وصية أب لابنته ليلة زفافها ,لماذا ؟ لست أدري , قلت : لربما اجتهد فانقل لها بعضا مما خبرته في الرجال , يكون نبراسا لها في ما تستقبل من حياة جديدة . أٌقول :

أي بنية! اعلمي ـــ بارك الله فيك ـــ أنّك مني بمنزلة العين من الرأس والقلب من الأعضاء ، والروح من البدن , أنت تفاحة القلب وثمرة الفؤاد, وبسمة الدنيا وزينتها , درجتِ فكانت رقبتي أرجوحتك , وحضني مهادك وظهري مطيتك , وساعدي ملاذك وحمايتك , واعلمي ــ وقاك الله نوازل الدنيا ــ لولا أنّ الزواج سنة الله في خلقه لإعمار الكون وتجديد الحرث والنسل ما أخرِجْت من بيت أظلّك وقلب أقلّك, لكنّ الحياة لا بدّ أن تسير والكون لا بدّ أن يعمر.

أي بنية: اعلمي أنّ الأسرة نواة المجتمع، وأنّ قوامها الرجل والمرأة، لا غنىً لأحدهما عن الآخر، فلا تستقيم الحياة للرجل إلّا بالمرأة، ولا تستقيم للمرأة إلّا بالرجل، واعلمي ــ يا ابنتي ــ أنّ حاجتك إليه كحاجته إليك، فطرة الله التي فطر عليها خلقه , كما قال جل في علاه : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً , إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ,واعلمي أنك مهما بلغت من رفيع الدرجات العلمية فانت بحاجة إلى الخبرة في الحياة العملية , وإنّي موصيك بعشر وصايا، إن تمسكت بها تكنْ فيها سعادتك في الدارين , تنالين حظوة عند العشير , ورضوانا من لدن العلي القدير .

أمّا الأولى: فالطاعة في غير معصية الله، فالرجل ــ يا ابنتي ــ ربّ الأسرة والقائم علي شؤونها ، خادما وربان سفينة؛ طاعته واجبة على جميع أفرادها، فهو قائد مركب، والمركب الذي يقوده اثنان يغرق لا محالة، يقول جل شأنه (لو كان فيهما الهة إلا الله لفسدتا) وكذلك الأسرة إذا قادها اثنان فسدت , يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: “لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها “، لِمَا له من حق عليها.

أمّا الثانية: فاعلمي أن الرجل يجني والمرأة تبني، فضعي كلّ قرش من ماله في المكان المناسب، فلا تسرفي ولا تتطلبي ولا تتشهّي ولا تتشكي ، فتثقلي كاهله فيضطر إلي الاستدانة أو السرقة لإرضائك، وفي الحالين أنت الخاسرة، ولتكن القناعة ديدنك في الحياة , فالحر عبد إذا طمع والعبد حر إذا قنع .

وأمّا الثالثة: فلا يخرج سرّ بيتك حتى لأقرب الناس إليك، فالبيوت ــ بُنيّتي ــ أسرار، لا يحسُن أن يطّلع عليها أحد، حتى أقرب المقرّبين، فالسر إن تجاوز الاثنين شاع، واعلمي أنّ الخلاف مِلْحُ الحياة الأسريّة، وأنتما أقدر الناس على حلّ ما يمكن أن يقع بينكما من سوء تفاهم، وأنّ أي خلاف مهما كان كبيراً فهو صغيرٌ بين الزوجين ومقدورٌ عليه، لكنّه إن تجاوز عتبة البيت كَبُرَ أكثر، وصعبت السيطرة عليه.

أمّا الرابعة: فلا تمُنّي عليه بمال أو جاه أو مقدرة، بل دعيه يحسّ ذلك إحساساً أنّك وقفت يوم ضيق إلى جواره، دون أن تذكّريه، وأشعريه دائماً بالرضى، وشكر الله تعالى إذ رزقك زوجاً كريماً حانياً على زوجه وابنائه قائما على شؤون بيته , ووفري له السكينة والمودة ولين الجانب يوفر لك الطمأنينة والأمان .

أمّا الخامسة: فلا يرى إلّا بيتاً نظيفاً، وأثاثاً مرتباً مريحاً , فلا خير في امرأة جمّلت نفسها وأهملت بيتها.

وأمّا السادسة: فتفقدي ذوي رحمه، وذكّريه دائماً بثواب الواصل من بركة في الرزق وسعادة في البيت , وعقاب القاطع من ضيق في الرزق ونكد في العيش ، وأشعريه دائماً أنّ أهله هم أهلك، واحرصي ــ يا ابنتي ــ ألا تكوني طرفاً في أي خلاف بينه وبينهم , فبمقدار احترامك ورعايتك لهم تزداد محبته لك والتمسك بك، وحرصه على إكرام أهلك وذويك.

وأمّا السابعة: فجوّدي طعامه وشرابه، وإيّاك أن تسبق يدُك يدَه إلى طعام أو شراب فيظنك نهِمة، فكما تتأنقي بلباسك فتأنقي في طعامك، واحرصي ــ يا ابنتي ــ على إلّا يشّم رائحة الطبخ في ثيابك، فينفر منك.

وأمّا الثامنة: فذكّريه بأنّك وأولاده أمانة في عنقه، يحاسبه الله عليها يوم القيامة، فلا يطعمكم إلّا حلالاً طيّباً مهما كان قليلاً، فلقمة الحرام ــ يا ابنتي ــ تظهر ولو بعد حين، كما قيل في المثل: الآباء يأكلون الحُصرم (العنب قبل نضجه) والأبناء يضرسون (وجع الاسنان ).

وأمّا التاسعة: فلا ترفعي صوتك فوق صوته في نقاش أو محادثة، فبالحوار الهادئ البنّاء تكسبي ثقته واحترامه وعطفه ومحبته، والكلمة الطيبة الرقيقة تذلل الصعاب، وتُخرِج الأفعى من جحرها.

وأمّا العاشرة: فاعلمي أنّ الرجل يكره المرأة الأنّانة ( كثيرة الأنين والشكوى من المرض) والحنّانة (دائمة الحنين إلى أهلها) والزنّانة والمنّانة (تمن عليه بمال أو جاه أو موقف)، ويمقت الثرثارة والفشّارة (تكذب لتفتخر أمام الناس) والنقارة (كثيرة الانتقاد للأهل والجيران ).

وبعدُ، فهذه وصية أب خبر الرجال، وعرف أحوالهم وطبائعهم ومطالبهم، وخبر الحياة الزوجية بكل ما فيها من نعيم وقسوة، ودخل في حل خلافات كثيرة بين الأزواج , حريص على تثبيت أركان بيت ابنته تمهيداً لاستقبال أكرم المخلوقات، زينة الحياة الدنيا وبهجتها. طابت أوقاتكم.

 

 

وصية لابنتي عشية زفافها

 1,307 إجمالي المشاهدات

عن هند معز

شاهد أيضاً

غاوي علم: “العادات الذرية” بقلم: د. ثناء خلف الله العمدة

غاوي علم: “العادات الذرية” بقلم: د. ثناء خلف الله العمدة رحلة نحو التغيير الإيجابي مؤخراً …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: