كم مِن طِيبٍ ظاهرٍ أضمرَ عظيم الأذى
ليس شرطًا أنْ يكون جميلُ الكلام لطيفَ المُعاملة.. و لا عميقُ الفِكر عظيمَ التَّفاهم.. و لا طيِّبُ الفِعل نقيَّ السريرة. فكم مِن طِيبٍ ظاهرٍ أضمرَ عظيم الأذى.
أنْ تسيرَ بين عُمومِ الناس حاملًا جمال الظنّ و تاركًا لُطف الأثر لا يعني أن تُفتِّحَ أبواب قلبك، و تخلع حِجاب خُصوصيِّتك، فتُقحِم نفسك في موضع أذىً مِن حيث لا تحتسب.
بل سِرْ بين الناس قابضًا على لُطفِك و حذَرك معًا.
و أعلمْ أنَّ مِن اللطف أن تظن خيرًا في العابرين، و لا يستدعي ذلك أن تَستَبِقَ ثقتك فيهم عاجلًا. و أنَّ من الحذر أن تحتاط في قربك مِن القاصدين، و لا يعني ذلك أن تُسيء ظنّك فيهم مُسبَقًا.
و إنما اللطف الحقّ ما بدرَ منك حُرًّا دون تفريطٍ في سلامتك، و إنما الثقة الحقّة ما نبَتت فيك مِن سُقيا المُعاملة لا مِن سراب توقعاتك و سذاجة آمالك. و إنما الحذر الحق ما تحرَّى حقيقة الأمور فحسب، دون تهويلٍ أو تَوهيمٍ.
و اعلم أنَّ تبيُّنَ الحقيقة ليس في الفضائح الرائجة فحسب، بل في الفضائل الظاهرة كذلك.
كم مِن طِيبٍ ظاهرٍ أضمرَ عظيم الأذى